رغم آلة الحرب التي لا ترحم، رغم الدمار والمعاناة والفقر والتشرد، هناك أطفال ونساء ورجال يملؤهم الإصرار في رسم البسمة على جبين الحياة دون أن يقف أي عائق في وجه أحلامهم رغم كل ظروف الحرب الدامية.
“صحيح فقدت أيدي بس مع هيك عندي ايد تانية رح اشتغل فيها ومااستنى من حدا يعطف علي أو كون عالة على حدا حتى أهلي”.
كلمات يختصر فيها الشاب “أحمد” البالغ من العمر 18 عاماً من مدينة ادلب، تحديه للإعاقة التي أصابت يده اليسرى إثر غارة جوية استهدفت أحد أحياء مدينة ادلب.
في ظل حرب امتد أثرها السلبي لينال من كبيرها وصغيرها، من قلب الواقع يخرج من تحت الركام أشخاص لا تعرف اليأس أو الفشل.
يتحدث الشاب “أحمد” خلال لقائنا معه في سوق مدينة ادلب قائلاً: ” سمعنا الإنذار اشتغل وطلع صوت طيران.. ضربت أول مرة حمدنا ربنا لساتنا بخير بس الضربة التالتة كانت من نصيبنا، نزل الصاروخ على بيتنا.، طالعوني رجال الإنقاذ وأنا فاقد الوعي.. ولما صحيت اكتشفت انه خسرت أيدي اليسار، بالأول تعذبت كتير ولقيت الأمر صعب بس هلأ أنا عندي حياتي ولازم عيشها ومتل ماشايفين فاتح محل هالخضرة وعم عيش منو أنا وأهلي والحمدلله مستورة”.
مئات الآلاف من الأطفال شردوا مع ذويهم والآلاف دخلوا في مجال العمل الذي لا يناسب أعمارهم الصغيرة، فقد زادت نسبة الأطفال الذين يمارسون مهنة الكبار في ظل حرب سلبت منهم حقهم في الحياة من تعليم واهتمام ورعاية وحولتهم إلى رجال في سن صغيرة.
الطفل “سليم” من أبناء حي الوعر يبلغ من العمر 10 أعوام، يقف ووجهه يتصبب عرقاً وهو يحرك يديه الصغيرتين ليدخل دولاب السيارة إلى المحل ويسلمه إلى صاحب العمل لإصلاحه، ففي حديثنا معه يقول سليم: “أنا وأمي نزحنا من حمص كنا ساكنين بحي الوعر ولما جينا عادلب مافي شي معنا غير تيابنا الي لابسينا وأنا عم اشتغل بمحل هالكومجي لحتى عيش أنا وأمي وخاصة أنه بابا استشهد بحمص وماضل عنا حدا يصرف علينا”.
رغم النكبات الكثيرة ماتزال الحياة مستمرة بين أهالي اكتسبوا قوة المقاومة وتعلموا من ظروف الحرب آليات التأقلم على حياة نصفها أمل والنصف الآخر ركام..
“أبو أسعد” من مدينة كفرتخاريم، خلال لقائنا مع وهو يقوم بطلاء دكانه الصغير وإعادة ترميمه من جديد بعد قصف الطيران للحي الساكن فيه قائلاً: “للمرة التالتة النظام بيقصف هالحارة وكل مرة بروح شي من دكانتي ومع هيك اذا بيقصفها للمرة الألف مارح أيأس ورح ارجع وافتحها من أول وجديد اذا الله عطاني عمر”.
لتبقى الحياة مستمرة في ظل وضع لا يملك فيه البعض سوى الدعاء والصبر والإصرار علهم يجدون طوق النجاة.
المركز الصحفي السوري – ديانا مطر