بعد إنهاء عملية إفراغ داريا من أهلها وثوارها برعاية “الأمم المتحدة”, تتوارد الأنباء اليوم عن مشروع تهجير آخر سيقوم به النظام في مدينة معضمية الشام المجاورة وبرعاية الأمم المتحدة أيضا!.
هي نتائج طبيعية ومحتّمة لما بات يعرف بخطة الحصار والتجويع التي اتبعتها قوات النظام على مدار السنوات الثلاثة الأخيرة من عمر الثورة السورية على مرأى ومسمع من العالم ومختلف وسائل إعلامه, أسلوب ممنهج بدأ النظام يقطف ثماره أخيرا, بعد أن يقوم بتطويق وعزل البلدات عن بعضها البعض, ثم يفرض عليها حصارا طويل الأمد يمنع بموجبه دخول كل ما هو ضروري لاستمرار الحياة, إلا ما ندر بقافلة صغيرة للمساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية الدولية.
التهجير الذي يحدث الآن في سورية هو كارثة إنسانية حقيقية, بل أكبر كارثة تهجير حصلت وتحصل في القرن الواحد والعشرين, نظرا لبلوغ الأرقام معدلات كبيرة وغير مسبوقة, ما بين تهجير قسري داخلي وتغيير ديموغرافي واضح المعالم, وتهجير خارجي طال العديد من بلدان العالم وبأرقام تتراوح بالملايين.
بدأت خطة التهجير والتغيير الديموغرافي بداية من مدينة حمص السورية والأرياف المجاورة لها, فقام النظام بإجلاء العديد من السكان “الأصليين” لمحافظة حمص إلى خارج المحافظة, وغالبا ما تكون وجهتهم إلى الشمال السوري ومحافظة إدلب على وجه الخصوص, فتمَّ إفراغ أحياء الخالدية وحمص القديمة من كل سكانها, إضافة لتهجير سكان مدينة القصير المجاورة والتي سيطرت عليها ميليشيات “حزب الله اللبناني” الشريك الرئيس للنظام في تطبيق سياسة الحصار والتهجير القسري والخطة لا زالت مبيتة لأهالي حي الوعر المحاصر وتنتظر الوقت المناسب لتطبيقها.
أما في محافظة ريف دمشق فالحكاية من نوع آخر, تتبع قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني خطة العزل وقطع طرق الإمداد والحصار إضافة للقصف المركز والمتصاعد للمدن والبلدات المحاصرة, الأمر الذي يحول حياة المدنيين المحاصرين فيها إلى جحيم حقيقي, كما حدث في داريا ويحدث الآن في قرى وادي بردى في القلمون وبعض مدن وبلدات الغوطتين الشرقية والغربية.
لماذا حمص وريف دمشق؟!
لا يخفي العديد من المراقبين للوضع السوري مخاوفهم من تركيز النظام السوري اهتمامه على كل من الموقعين المذكورين واستمراره بتطبيق خطة الحصار والتجويع والتهجير القسري عليهما, بل يصرِح العديد منهم ويطلق تحذيرات بين الفينة والأخرى عن خطة النظام الخفية الرامية لتأمين الحزام والطوق الأمني حول دمشق العاصمة ومدينة حمص وذلك بتهجير سكانها الغير موالين له واستبدالهم بسكان موالين على أساس طائفي واضح, وأن تلك العملية الجارية حاليا قد تكون النواة الأولى لتأسيس كيان طائفي انفصالي يمتد من الساحل السوري حتى جنوب العاصمة السورية دمشق مرورا بمدينة حمص.
من المسئول عن إيقاف مشروع التهجير وتغيير البنية السكانية في سورية ديموغرافيا؟.
لا شك أن المعني الأول والأخير بنتائج هذا المشروع هو الشعب السوري وبكل أطيافه ومكوناته, بعد أن ثبت لنا من خلال مراقبة الأحداث المنصرمة على مدار السنوات الخمس, غياب إرادة المجتمع الدولي في إفشال خطط النظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين, بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك باتهام الأمم المتحدة بمساعدة النظام على تطبيق خطة الحصار والتهجير عن طريق إسراعها لتبني رعاية عمليات “الخروج الآمن للثوار وعائلاتهم” باتجاه الشمال السوري, وإعلان عجزها في مرات عديدة عن التوصل لصيغة تفاهم مع النظام تقضي بإدخال المساعدات الغذائية والدوائية إلى داخل المناطق المحاصرة في سورية, في ظل سعي بعض الأطراف الدولية لإظهار مشروعية وأحقية النظام في الاستمرار بسياسته الممنهجة الرامية إلى إحداث تغيير ديموغرافي فيما يعتقد النظام أنها “مناطق مفيدة” تضمن بقاءه على الأقل.
لذلك يتوجب على أبناء الشعب السوري أن يقفوا وقفة واحدة تعبر عن رفضهم القطعي لكل المشاريع الخبيثة التي يتم فرضها أو رعايتها من الخارج, عن طريق التمسك بمبادئ الثورة والعمل عليها للحفاظ على وحدة التراب السوري وعدم حرف البوصلة الوطنية عن مسارها الصحيح.
قد يتكرر سيناريو داريا في المعضمية, وقد يتكرر في غيرها, ولكن النظام لم يدرك حتى هذه اللحظة أن إرادة الشعب السوري هي أقوى من إرادة المشاريع الخبيثة, وأن الثورة السورية نجحت في إفشال العديد من المشاريع اللاوطنية التي فرضت من الخارج, وستنجح أخيرا في إفشال خطة التهجير والتغيير, لأن الأرض السورية ستبقى لأبنائها الشرفاء, بعيدا عن مطامع الغرباء.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.