صحيح أن الطفل السوري هو من دفع أغلى ثمن للثورة السورية، إلا أنه في ذات الوقت، فجر مواهبه خلالها، سواء أكان في الداخل أو الخارج السوري، فكان صوته العالي سلاحا فتاكا بوجه ظلم النظام السوري.
مع استشهاد كل مواطن سوري، يظهر العشرات غيره ليتحدثوا عن مجازر النظام السوري بحق شعبه، فبعد أكثر من300 ألف شهيد في سوريا، لا يزال صوت الحق يصدح عالياً، وبما أن صوت الشعب هو أول سلاح شُهر بوجه النظام السوري، عمد الأسد لإسكات ذاك الصوت بشتى الوسائل، حتى لو كان الأطفال هم المنشدون لشعارات وأغاني الثورة.
استشهد قاشوش حماة ابراهيم في يوليو 2011، عندما اقتلع رجال الأمن حنجرته ورموا جثته بنهر العاصي، إلا أن آلاف القواشيش بعده صغاراً و كباراً، ظهروا متحدين النظام بصوتهم، وكل منهم يحمل داخله قصة هي شعلة انتفاضته، وأصغر طفل منشد سوري هو “عمر” أبن الثلاث سنوات من ريف إدلب، بعد اعتقال قوات النظام أبيه وقتل أمه، وهو في قمة حاجته إليها لأنه مريض بالكبد، فنطق كلماته الأولى المنادية بالحرية، أصبح بعدها رمزاً للثورة التي قاد مظاهرتها داخل المحافظات السورية الثائرة، تابع مسيرته في مصر ليثير الحماس بنفوس الجالية السورية ، وأول ظهور له على قناة الجزيرة ناطقاً ” الله أكبر “، فإن 20 ألف طفل يتيمي الأب، 5 آلاف يتيمي الأم وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الأخوة ” ياسمينة الثورة، قاشوش بستان القصر” في حلب، طفلان بعذوبة صوتهما أنشدا للثورة وتفقدا الخطوط القتالية الأولى ليزيدوا همة المقاتلين المعارضين بكلماتهم الناعتة بشار قاتل الأطفال، كادت قذيفة هاون تجعل ياسمينة بعداد الشهداء أثناء إلقائها أغنية” حانن للحرية” بأحد شوارع حلب، إلا أنها أبت الاستسلام مع أخيها، ورددت أنشودة أيها المسلمون مع الشيخ “علي ناصر”، وتم عرض أناشيدهما خلال لقاءات تلفزيونية على الأورينت وقنوات أخرى تابعة لقطر عند تواجدهما في الدوحة.
أطفالً أثقلتهم الحرب السورية بهموم الحياة، ليكبروا أعواماً بتفكيرهم ووعيهم قبل آوانهم، عندما يجلس أحدهم داخل مخيمات عكار اللبنانية، فاقداً عائلته، متذكراً أمه في أول أيام العيد فيقول لحكام العرب:” قوموا يا مسلمين، نحنا عم ننقتل ليش ساكتين؟”، تلك “رغد زيدان” الحلبية التي ضجت وسائل الإعلام بعبارتها” لا تقصلي بيجامتي لأنها جديدة”، الدالة على إدراكها بفقر عائلتها وصعوبة شراء حاجياتهم رغم صغر سنها، فبحسب منظمة الأمم المتحدة هنالك أكثر من 117 ألف طفل لاجئ في المخيمات خارج سوريا.
أطفال سوريا أبكوا العالم بمآساتهم المعروضة على شكل مقاطع فيديو على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما ” نايف ” الطفل الحلبي الناجي من صاروخ سكود، حبس دمعته أمام الكاميرا ووجه صيحة الحرية متسائلاً” ليش عم يضربنا، يعني حكم القوي عالضعيف؟” تزامناً مع استشهاد العديد من أفراد عائلته، تساؤله يجيب عنه صبر الطفل ” علي” عندما لم ييأس عقب فقده يديه، وعينه، وإصابة ببطنه، عبر أحد صواريخ الأسد، أوجز آماله بجملة ” الله أعطى والله يأخذ، ويدي سبقتاني للجنة ما حدا متلي أنا الحمد لله”.
الجدير بالذكر أن آلاف الاطفال بحسب اليونسيف باتوا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أمر طبيعي أن يصمد الشعب السوري بوجه أسلحة العالم أجمع إلى الآن، طالما أن أطفاله تحصنوا بالتفاؤل مع نصر الله، حينما لم تنفعهم دموع العالم أجمع أو اجتماعاتهم ومؤتمراتهم لا سيما الأخير جنيف، بتغيير واقعهم الأليم.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري