لا تزال قوات نظام الأسد تعتقل العالمة والدكتور (فاتن رجب -33 سنة) الحائزة على الدكتوراه في الفيزياء وعلوم الذرة دون أسباب معروفة، كما هو الحال بالنسبة لعشرات آلاف المعتقلين والمعتقلات في أقبية سجونه.
وتُعد الدكتورة رجب من أبرز الناشطات السلميات في الثورة السورية، ولاسيما في ريف دمشق، حيث نشطت في المظاهرات السلمية منذ بداية انطلاقتها في دوما، وشاركت بجهود كبيرة في المجال الإغاثي، وفي المستشفيات الميدانية بمدينة دوما، وهي شقيقة الناشط “أحمد رجب فواز” أول من قضى في الثورة السورية في دوما.
اعتقلت فاتن من قبل فرع المخابرات الجوية في كمين بدمشق بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2011 وجرى استجوابها لمدة عشرة أشهر-حسب تقرير للشبكة العربية لحقوق الإنسان ليتمّ تحويلها فيما بعد إلى الفرع 215 التابع للأمن العسكري أما يُعرف بـ “سرية المهام الخاصة” سيئ الصيت.
“سحر” وهو الاسم الذي اختارته معتقلة سابقة كانت مع الدكتورة “فاتن رجب” في ذات الزنزانة بالفرع (215)، وفي الغرفة نفسها في جناح الموقوفات بعدرا روت لـ”زمان الوصل” تفاصيل عن ظروف اعتقالها ومعاناتها حيث “وضعت لمدة سنة كاملة في المنفردة بفرع الجوية، ولم يكن أحد يعرف عنها شيئاً، وتحولت فيما بعد –كما تقول سحر- إلى القضاء العسكري وبالذات المحكمة الميدانية العسكرية بالتهمة الجاهزة وهي الإرهاب والقتل المتعمد”.
وتردف سحر أن “وضع د. فاتن الصحي كان سيئاً للغاية لدرجة أنهم كانوا يعطونها مسكنات لتخفف من آلامها، وكان همّ مخابرات نظام الأسد تسجيل كل كلمة تقولها، لدرجة أنهم عيّنوا جواسيس بنات لها داخل الزنزانة”.
وتستذكر المعتقلة السابقة: “أثناء ما سُمي بالانتخابات الرئاسية جاؤوا بصندوق الاقتراع إلى الزنزانة، ورفضت فاتن أن تقترع فتم معاقبتها من العقيد “عدنان سليمان” رئيس فرع سجن النساء بالذات الذي كان يتقصّد إيذاءها، ويكفي الدكتورة فاتن فخراً –حسب محدثتنا– أنها “رفضت إجراء مقابلة مع قناة الدنيا في فرع الجوية، وقالت كلمتها الشهيرة “شرفي طائفتي” والجميع –كما تقول– يعرف ماذا قدمت الدكتور فاتن للمعتقلات داخل الزنازين وكيف ضحت من أجلهن، ولكنها غُدرت من أقرب صديقاتها اللواتي وثقت بهن للأسف”.
*عام كامل في المنفردة
وتردف محدثتنا إن “قصة د. فاتن غامضة جداً وتحملت ولاتزال الكثير داخل المعتقل”.
وتتابع إنها “وضعت بالمنفردة في فرع الجوية لمدة سنة ولم يكن أحد يعرف عنها شيئاً، قبل أن يتم تحويلها فيما بعد إلى القضاء العسكري، وبالذات المحكمة الميدانية العسكرية”.
وتستعيد المعتقلة السابقة “سحر” قصة مؤلمة في حياة الدكتورة فاتن داخل المعتقل روتها لرفيقاتها فيما بعد عندما كان اللواء “جميل حسن” يحقق معها ويضغط عليها بهدف الحصول على اعترافات منها، فيضع أمام عينيها صورة لسجينة غارقة بدمها وبوط عسكري يدعس على رقبتها، وحينما نظرت د. فاتن إلى الصورة فوجئت بأن الفتاة المعذبة هي رفيقتها المقربة.
وتردف محدثتنا بأن “قصة فاتن تعد أكبر دليل على همجية وإجرام النظام” مضيفة أن”هذا النظام القاتل كان يعتبر إرهاب سوريا كله في كفة و”فاتن رجب” في كفة أخرى، لأن أفكارها كانت تنويرية ومخيفة له، وهذا يفسر طريقة التحقيق معها الذي كان يتولاه غالباً رموز في هذا النظام، ومنهم “جميل حسن” الذي صرخ في وجهها ذات يوم أثناء التحقيق بأنه سيجعلها تعاني من الخرف خلال عامين إذا لم تتعاون معهم.
وحول علاقة الدكتورة “فاتن رجب” بالمعتقلات الأخريات داخل المعتقل قالت رفيقة زنزانتها: “ضحت الدكتورة فاتن كثيراً للتخفيف عن رفيقاتها المعتقلات، رغم أنها كانت بأمسّ الحاجة لمن يخفف عنها معاناتها، وكانت بمثابة الأم والأخت والرفيقة لكل معتقلة، تبادر لمسامحة كل من يخطىء بحقها من بنات المعتقل، رغم أن النظام –حسب محدثتنا- “جنّد بعضهن لمراقبتها ونقل تحركاتها وكلامها للضباط من أجل الإضرار بها”.
وتتابع سحر إن “الدكتورة فاتن كانت متواضعة إلى أبعد الحدود، لا تأكل لقمة إلا إذا أكلت المعتقلات قبلها وبيدها أحياناً، وكانت تدافع عن الجميع بمنطق رائع، وتطالب بحقوقنا قبل أن تطالب بحقوقها الشخصية كتأمين الأدوية وإخلاءات السبيل وتعجيل المحاكمات”.
*منعوا عنها الدواء
وكشفت محدثتنا أن الدكتورة فاتن “بادرت لتنفيذ أكثر من مشروع إنتاجي ضمن السجن للمعتقلات المقطوعات اللواتي ليس لديهن أحد خارج المعتقل، وكانت تفرض على المعتقلات اللواتي يحظين بزيارة الأهل والمعارف مبلغاً محدداً، وبهذه المبالغ تشتري طعاماً وفواكه وحلوى لهؤلاء المقطوعات لكي لا يشعرن بالوحدة والانغلاق، كما أقامت مشروعاً للصناعات اليدوية “الأرتيزانا” وقطع الخرز واللولو الفنية التي كانت تُباع خارج السجن وبتم توزيع مردودها على المعتقلات أنفسهن.
وتروي المعتقلة السابقة “سحر” قائلة: “عندما مرضت في سجن عدرا كانت الدكتورة فاتن توقظني وتعطيني الدواء بيدها”.
وتضيف بنبرة مؤثرة: “عندما كنت أبكي تمسح دمعتي وتنسيني وجعي وألمي”.
وتستطرد: “ذات مرة كانت تنزف من أذنيها وعينيها وأنفها فتحدث مع الضابط المناوب من أجل تحويلها للمشفى، ولكنه ضحك مني مستهزئاً وقال: “دعيها إنها لا تستحق الاهتمام”.
وكانت د. فاتن بحاجة لأدوية نظراً لحالتها الصحية الصعبة، ولكن عقيد الفرع منع إعطاءها أي أدوية غير المسكن والفيتامينات”.
وكانت الدكتورة فاتن رجب تعد رسالة جديدة في الفيزياء النووية في إحدى الجامعات الفرنسية ولكن اعتقال نظام الأسد لها حال دون إكمال رسالتها، وتعرضت بدلاً من ذلك لأشد أنواع التعذيب من بين جميع المعتقلات -حسب ما أفادت به معتقلات سابقات تم الإفراج عنهن للشبكة السورية لحقوق الإنسان- حيث أكدن أن رجب تعرضت لنوبات صرع ونزيف شديد في الأنف والأذنين إثر عمليات التعذيب الوحشي التي تعرضت لها دون أن يتم عرضها على الأطباء أبدا، وفق المصدر المذكور.
زمان الوصل