في حروبنا مع إسرائيل سميناها “الحروب المجيدة” رغم بعض الانتصار والعديد من الهزائم، ووقتها طالبنا الأمم المتحدة بوصول مندوب دولي ووضع قوات دولية تحت رايتها للفصل بين قوات تلك البلدان، ولم يتغير أي شيء منذ عقد الخمسينات إلى اليوم، فالأزمات متصاعدة، والركض بين الهيئة الدولية ومجلس الأمن أصبح إدماناً عربياً في إيجاد منقذ، وكما نعرف فكل المؤثرات على القرارات الدولية تمر بواشنطن أولاً، ولندن مستشار لها، ومجلس الأمن غرفة مناورات يتبادل داخلها الخصوم كيف، ولأي سبب يتخذ (الفيتو) وهي تخضع في غالب الأمور إلى تنافس على المراكز في العالم الخارجي وعقد صفقات خاصة بهم..
قبل سنوات قريبة خاض الأخضر الإبراهيمي تجربة فاشلة في سورية دون أن يحقق أي نتائج، وانسحب منها لأنه اصطدم بالمستحيل، وقبله بعقود طويلة جاء “جونار يارنج” مبعوثاً للشرق الأوسط عام ١٩٦٧م وأيضاً كان عمله مزيجاً من الفشل والنجاح، وحالياً يدور في المنطقة مبعوث لسورية، وآخر لليمن، وثالث لليبيا، والجميع سينتهي مصيرهم وفقاً لتجارب ما قبلهم، وهذا الرصيد من الفشل لا يعزى لعدم قدرة المندوبين، وإنما لمن يتخذ القرار الذي حول نفسه، زعيماً مدنياً أو عسكرياً أن يكون الناطق والمقرر باسم الشعب، وهو الذي لم يفوضه أو يحظى بقبول سلطته، ومنذ نكبة فلسطين لم نرَ من يدير المعارك الدبلوماسية بعقل المناورة الذكية التي تحقق مصالح بلده بدون إراقة دماء وهدم للبنى التحتية لبلده بذراعين، عسكري رادع، ومفاوضات تعرف كيف تصل إلى أهدافها العليا..
الدور العربي في حل الأزمات ظل إما موضع شك، أو استهتاراً بدوره، وكما كان اللجوء لمجلس الجامعة نوعاً من التخلص من الواجب أو مجاملات بعض الدول لأخرى فالخروج عن النص، والالتزام به هو القاعدة وغيره هو الخطأ، وقد تعذرت المحاولات الهادفة لتحقيق المصالحات، لأن أجواء الدول العربية مهيأة للخلافات كقانون، وكما فشلنا عسكرياً في حروبنا، تناقصت هيبتنا دبلوماسياً، وإذا كان المندوبون الدوليون أدركوا استحالة الوصول إلى وفاق للخصومات العربية، فمن باب أولى عجز أيّ دولة مركزية، أو متوسطة وصغيرة، أن يكون تأثيرها مهماً، ولعل ما قيل عن ثقل الدولة الفلانية، أو انتقال القوة لأخرى، لا يقاس بالحجم أو التأثير، وإنما بالقبول من الفرقاء، وهذا ما لا وفرته الأجواء العربية القديمة والحديثة..
مثلاً هناك مبادرة خليجية لليمن كانت بداياتها مقبولة من الجميع وقبل وصول الحوثيين للسيطرة على العاصمة صنعاء ثم بعض المدن، لأنها الوسيلة لتجنب ما هو أسوأ، ولكنها انتهت ومصير اليمن معلّق على مجهول، وليبيا كان من المفترض أن تقوم جهود تشترك بها مصر والسودان وبقية دول المغرب العربي، بتقديم مشروع حل لما يحدث في ليبيا إلا أن كل دولة عربية تتعامل مع فصيل، أو شبه الدولة المعترف بها مع أن التهديد القادم للجميع ليس افتراضياً، وإنما حقيقي..
أما سورية والعراق، فهما رهان لدول خارج الدول العربية، وهي من ترسم خطوط توجهاتهما وخرائط مستقبلهما، ولم يبق من تواجه المصاعب بعقل وحذر إلا دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن، أما دول المغرب فهي ترى مشاكلها منفصلة عن المشرق الذي يعاني الأزمات منذ أزمنة طويلة، ولذلك حدثت القطيعة السياسية لهذه الأسباب وغيرها وهم معذورون بهذه المواقف تجنباً للمشاكل..
يوسف الكويليت – الرياض