معروف أن شهر أيلول من كل عام بداية نشاط لطلاب المدارس السورية حيث تتوجه آلاف الطلبة للمدارس معلنة بداية عام دراسي جديد.. لكن مع تزايد الآلام وحرب استمرت سنين طويلة، أبعدت الأطفال عن مدارسهم، سواء خارج سوريا أو داخلها.
ومع تزايد خوف الأهالي على فلذات أكبادهم من طيران لم يعد أحد يعرف نوعه أو انتماءه، الروسي، التحالف، النظام، لكن ما يعرفه المدنيون هو شيء واحد هذا الطيران لا يغادر سماء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
لكن الجديد في الأمر أن النظام سابقا عندما كانت تستهدف إحدى طائراته مدرسة أو مركزا خدميا كان يتهم فصائل متشددة بحسب زعمه أناه هي التي قصفتها، أو كان يشير إلى أن القصف كان بالخطأ، لكن اليوم ،بعين تكسر رأس المخرز، يقصف الطيران المناطق المحررة كلها، كافة المراكز الخدمية كالتجمعات الطبية والمدارس، ليلحق مزيدا من الآلام والأوجاع بقتل أكبر عدد من الأبرياء.
هذه المأساة العميقة التي استعصى حلها حتى على الأمم المتحدة بأكملها فرضت على أغلب الأهالي في مدينة إدلب أن يرفضوا وبشدة إرسال أبنائهم للمدارس؛ كونها هدفاً لنيران النظام، وخصوصاً بعد تسريبات من أعوان النظام تكشف عن نية حاقدة لهدم البنى التحتية بالكامل لتلك المدينة، وكأن تلك الأبنية الحكومية بنيت عل حساب بشار وأعوانه! فإما أن تبقى تحت سيطرته وإما أن تعود رمالا وحجارة كأنها لم تبنَ أصلا، هذا شعار طرحته ميليشيات النظام في الأشهر الأولى من الثورة، فها هي آلاف الجدران في كافة أرجاء المحافظة كتب عليها “الأسد أو نحرق البلد”.. منكرين أن تكون المرافق الخدمية مبنية أصلا من أموال الشعب الذي عانى من قهر وظلم وسياسة التجويع، التي تجعله دائماً كما يقال “بيشهق وما بيلحق”.
خلف أبواب الإرادة والأمل ظهرت فئة ممن رفضوا الخضوع للواقع المرير وسعوا من أجل رفض اليأس، وكانت من بينهم المربية الفاضلة،( أم أنس 55 عاماً) من تلك المدينة حيث كشفت لنا في حديثها عن نشاطها قائلةً “لن ندع الخوف والأحزان تسيطر على حياتنا وها أنا مع فريق من الطلبة الجامعيين ممن لم تسمح لهم ظروف الحرب القاسية متابعة دراستهم، وممن كانت لديهم خبرة سنين مضت في التعليم، وفي بيوت الأهالي اخترنا منزلين كبيرين الطابق الأرضي والأول لتكون مدرسة مصغرة تفي بالغرض ويكون بالإمكان استيعاب الطلبة من فئة المرحلة الأولى”.
لم تكن سوى أيام عن إعلان تلك المدرسة حتى لاقت الفكرة قبولاً وترحيباً من الأهل في ذلك الحي والأحياء المجاورة.
ويبقى السؤال هل بإمكان الأهل أن يستمروا بدفع رسوم مدرسة خاصة في ظل ظروف تزداد مأساوية يوماً بعد يوم؟
تخبرنا “أم أنس” بحديثها المتزن وكلماتها المريحة للقلب وخبرتها بالحياة قائلة “ربطني مع أهالي مدينتي مصيبة أحلت بنا وأجبرني حبهم وحب الحياة لمن بقي على التفكير والاستمرار.. لم تكن غايتنا مادية.. بل نتقاضى فقط رسوما تغطي أجور المدرسين التي تكاد تكون أغلبها تبرعاً للعمل؛ بهدف منح الأطفال فرصة التعليم التي ستطرد الجهل من مناطق غضب عليها النظام، لأنها رفضت الذل والهوان، ليكون الجيل الصغير متفهما وقادرا على مواجهة نظام لا يرحم وأعوان طامعين هدفهم المزيد من الدمار وقتل الأبرياء، وليالي سوداء لمن بقي متمسكاً بوطنه رافضاً النزوح والخضوع رغم الألم”.
كم نحتاج في وطن ينزف دماً وفكرا وأجسادا وبنى تحتية لمثل “أم أنس”، كم نحن بحاجة لنضع أيدينا بتلك الأيادي التي نذرت ما تبقى لديها في الحياة لإعادة بناء وطننا الذي بات اليوم أحوج ما يكون إليه لأبناء يعيدون البناء ويزرعون أمل الحياة فيه.
بيان الأحمد
المركز الصحفي السوري