تعد الترجمة في سوريا مهنة قديمة ولكن لم تكن ذات أهمية قبل الأزمة رغم وجود عدد من مكاتبها في كافة المحافظات، فلم تكن تشكل دخلا ثابتا للترجمان المحلف .
عند اجتياز المترجم الاختبار الذي تقيمه وزارة العدل وفق شروط معينة يمنح لقب الترجمان المحلف بعد أن يؤدي اليمين ليمارس هذه المهنة بكل مصداقية ويعطى المترجم ختما خاصا باسمه والذي يخوله ترجمة أي نص أو أوراق ثبوتية أو شهادات من وإلى اللغة العربية.
ومع انتشار ظاهرة الهجرة وتوجه معظم السوريين إلى طلب اللجوء في الدول الأوروبية هربا من المعاناة والوضع المعيشي السيء نشط عمل مكاتب الترجمة .
فمن الشروط التي وضعتها بعض الدول الأوروبية لإجراءات لم الشمل تقديم وثيقة الزواج والأوراق الثبوتية الأخرى على أن تكون مترجمة بلغة البلد المهاجر إليه، بالإضافة لترجمة الشهادات من أصحاب المؤهلات العلمية ليتمكنوا من استخدامها للعمل بها بعد حصولهم على الإقامة.
شجعت هذه الحاجة العديد لافتتاح مكاتب للترجمة حيث برز دور ضعاف النفوس الذين لا يملكون رخصا باستغلال المواطنين الذين يرغبون بترجمة وثائقهم، فبعض منهم كان يزور الوثائق بدلا من ترجمتها مخلا بذلك شرف المهنة، حيث انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في المناطق المحررة نظرا لصعوبة تأمينها من مناطق النظام.
فهذه المهنة تؤمن دخلا كبيرا لأصحابها، ولا يوجد تسعيرة موحدة للمكاتب وقانون المترجمين لا ينص عليها، فكل منهم له تسعيرته الخاصة، كما لجأ صاحبوها نظرا للإقبال الشديد عليها لتوظيف عدد من المترجمين بأسعار زهيدة فالربح الوفير يعود له.
فداء من مدينة حلب تسكن في أحد الأحياء المحررة تقول:” ذهبت إلى أحد مكاتب الترجمة لأتفاجأ بعدد كبير من المواطنين الذين ينتظرون دورهم وبعد ساعات من الانتظار حان دوري فقدمت إخراجات القيد لأولادي وعقد الزواج وشهادتي الجامعية وبعد أسبوعين أستطيع أخذها مترجمة إلى اللغة الألمانية، لم تكن تلك المصيبة بل كانت التكلفة، فترجمة إخراج القيد تكلف 50 دولارا وعقد الزواج 100 دولار”.
مكاتب الترجمة في المناطق المحررة تشكل خطرا كبيرا على المواطنين الذين يزورون الوثائق والشهادات ليقعوا في إشكالية كبيرة، التي تكمن باكتشاف الدولة الأوروبية أن الشهادة المترجمة هي عبارة عن وثيقة مزورة ليكون السجن والترحيل عقوبة صاحبها.
وكالعادة حكومة النظام غافلة عن إيجاد حد لهذا الاستغلال في المناطق التي تسيطر عليها فهي منهمكة بملاحقة من تسميهم الإرهابيين، بل جل ما قامت به إصدار مسابقة للمترجمين لتقوم بإعطائهم التراخيص ليخففوا الضغط على باقي المكاتب دون أن تفكر بمحاسبة من يقوم باستغلال السوريين. ياسر درس في ألمانيا قبل الأزمة ويعمل في دمشق يقول:” طلب مني صاحب مكتب للترجمة العمل لديه كوني ملم باللغة الألمانية وأستطيع ترجمة أي وثيقة مع أنني لا أملك وثيقة تؤهلني للترجمة لكنهم قلة من يستطيعون الترجمة بهذه اللغة والحاجة لهم باتت ملحة لأن ألمانيا هي الدولة التي تشهد إقبالا واسعا من المهاجرين”..
تعد الترجمة من أرقى المهن قبل أن يشوهها من فقد القيم الأخلاقية في ظل غياب الرقابة على مكاتبها التي أصبحت تنتشر في كل مكان، ليصبح مالكوها من أصحاب الملايين مستغلين حاجة المواطنين لها.
المركز الصحفي السوري – سماح خالد