توقّع بشير نافع المؤرخ الأكاديمي والمفكر العربي أن عملية التغيير التي أطلقها ما يسمى بـ”الربيع العربي” في عدد من الدول العربية قد تستمر لعشر أو خمس عشرة سنة، وعلى الرغم من ظهور “ثورات مضادة” في عدد من تلك الدول إلا أن الأمور لا تسير في صالحها.
وقال نافع إن “الانفجار الثوري الذي عاشته المنطقة العربية في عام 2011، لم يكن نتيجة نزوة، فالشباب انفجر لأن الدولة العربية -دولة ما بعد الاستقلال-، والنظام الإقليمي-نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى-، كلاهما وصل إلى نهاية الطريق؛ سواء على مستوى الشرعية أو الاستجابة لطموحات وآمال الشعوب”.
وأضاف أن ثورات الربيع العربي لم تستورد من الخارج وإنما هي من قلب المنطقة نتيجة لظروفها وأزماتها، وقال “الثورات العربية بدأت من تونس وليس من موزمبيق مثلاً، ثم انتقلت إلى مصر ومنها إلى باقي الدول العربية التي شهدت الثورات”.
ولفت نافع إلى أن الأنظمة التي ولدت في دول “الربيع العربي” ما بعد عام 2013 قدّمت بديلاً فاشلاً تجاه مطالب التغيير في المنطقة.
وأشار إلى أن “عمليات التغيير التي بدأت في 2011 انتكست في صيف 2013 وظهرت موجة للثورة المضادة لقوى قديمة في داخل بعض دول الربيع العربي أو نتيجة لانزعاج دول عربية أخرى (لم يسمّها)-دول لم تمسها رياح الثورة ولكنها أصيبت برعب مما حدث- فهذه الأسباب عملت سوياً من أجل إحباط عملية التغيير، وإجهاض عملية التحول نحو الديمقراطية والتغيير في المنطقة”.
وأكد نافع أيضاً أن “البديل الذي قدمته الثورات المضادة كان بديلاً فاشلاً، ولو قدمت الثورات المضادة بديلاً ناجحاً متفوقاً على حالة الاضطراب التي صنعتها الثورات العربية في فتراتها الانتقالية، ربما بالفعل لكان الوضع مختلفاً وربما كانت المطالبة بالتغيير أقل حدة”.
ورأى أنه في كل الدول التي شهدت موجة من الثورة المضادة مثل؛ اليمن ومصر وليبيا وإلى حد ما تونس، لم يكن لديهم بديل في معسكر الثورة المضادة بإمكانه أن يجيب على أسئلة فقدان الشرعية للنظام الإقليمي أو في تلك الدول نفسها”.
في صالح من؟
وتساءل المفكر العربي بالقول “في صالح من؟ الفشل الذريع للنظام الانقلابي في مصر، والفشل الكارثي الذي جاء به الحوثيون في اليمن، والدمار والانقسام الذي جاء به حفتر (خليفة حفتر قائد الجيش الليبي التابع لبرلمان طبرق- شرق) في ليبيا، هل هذا مؤشرٌ على نجاح أم مؤشر على إخفاق وفشل؟”.
وتابع نافع قائلاً “نحن الآن في مرحلة ثانية، فهناك موجة أولى من الثورة ثم هناك موجة ثورة مضادة، وأنا أعتقد أن عملية التغيير مستمرة لعشر أو لخمس عشرة سنة، والقصة التي بدأت في 2011 لم تصل إلى خاتمتها بعد؛ ولكن الأمور ليست في صالح الثورة المضادة”.
ورأى المفكر أنه “لم يعد بالإمكان إعادة توليد دولة ما قبل 2011 ولا النظام الإقليمي لما قبل العام نفسه؛ فلا يمكن العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل الثورات وصناعة استقرار على هذا الأساس، لأن ذلك الوضع انتهى وأفلس؛ ولهذا اندلعت الثورات”.
وقال نافع أيضاً “من الصعب التنبوء بمآلات الأمور في الدول العربية؛ حيث إننا نعيش في منطقة متغيرة باستمرار، منطقة بالغة القلق، تلعب فيها قوى محلية ودولية وإقليمية متعددة، ودخلت في مجال تعقيد غير مسبوق. فلا أحد لديه تصور دقيق عمّا يمكن أن يحدث فيها؛ وفي الوقت نفسه لا يجب استبعاد الحراك الثوري الشعبي من المشهد”.
ولادة جمهورية جديدة
وفيما يخص الوضع في تركيا وتعليقه على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها منتصف يوليو/تموز الماضي أوضح نافع؛ “إن محاولة الانقلاب الفاشلة التي عاشتها تركيا هي أخطر حدث واجهته خلال العقود السبعين الماضية، من ناحية أخرى، ماذا كان من الممكن أن تأتي به هذه المحاولة لو نجحت؟”.
واستدرك بالقول “إن نجاح تلك المحاولة كان سيدخل تركيا، في منعطف هائل وخطير تكون له انعكاسات على المنطقة كلها”.
وأكد نافع أن “ما حدث (فشل المحاولة الانقلابية) هو نافذة لولادة جمهورية جديدة في تركيا، جمهورية تعالج الإشكالات الهيكلية التي ولدت مع الجمهورية الأولى (عام 1923)”.
ورأى نافع أن فشل الانقلاب في تركيا “يعطي دفعة أمل كبيرة لقوى التغيير لدى الشعوب”.
قانون “جاستا”
وفي تعليقه على إقرار قانون “جاستا” الأميركي الذي يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة دول ينتمي إليها المهاجمون ومنها السعودية، قال نافع “الكونجرس كان يحاول أن يشرع هذا الموضوع منذ فترة ولكن الإدارة الأميركية هي التي عطلت محاولاته في تشريع هذا القانون”.
وأضاف “طبعاً الآن الولايات المتحدة في أجواء انتخابية والإدارة نفسها أصبحت أضعف بكثير مما كانت عليه والنواب وأعضاء مجلس الشيوخ لديهم الآن حساسية تجاه الرأي العام، بمعنى أنه ربما كانت دوافعاً انتخابية أدت إلى هذا التصويت أكثر من أن تكون قناعات بأنها مصلحة أميركية”.
والأربعاء الماضي، أبطل الكونغرس حق النقض “الفيتو”، الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما، الجمعة الماضية، ضد مشروع قانون يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة دول ينتمي إليها المهاجمون.
وتعرف مسودة القانون بـ”العدالة ضد رعاة الإرهاب”، أو ما بات يعرف في الأوساط الأميركية بقانون “11 سبتمبر”، أو “قانون جاستا” وسبق أن صوت مجلس النواب لصالحه في 9 سبتمبر/أيلول الجاري، قبل أن يستخدم أوباما “الفيتو”.
وفي 11 سبتمبر/أيلول 2001، نفذ 19 من عناصر تنظيم “القاعدة” باستخدام طائرات ركاب مدنية، هجوماً ضد أهداف حيوية داخل الولايات المتحدة، أبرزها برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك؛ ما أدى لمقتل آلاف الأشخاص، وكان 15 من منفذي هذه الهجمات سعوديين.
وترفض السعودية تحميلها مسؤولية اشتراك عدد من مواطنيها في هجمات 11 سبتمبر، وسبق أن هددت بسحب احتياطات مالية واستثمارات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة في حال إقرار مشروع القانون فيما يقر مسؤولون أميركيون أنه لا يوجد أدنى دليل على تورط المملكة في هذه الاعتداءات.
هافنغتون بوست