جسدها النحيل وتجاعيد وجهها التي بدت واضحة حول عينيها الجاحظتين اللتين لم تعرفا النوم منذ زمن، تروي سهام ذات ال25عاما قصتها بعد اعتقال زوجها منذ 4سنوات من قبل قوات النظام، تمسك طفليها التوأم وتحتضنهم ودموعها على وجهها تنهار بغزارة، ” لم يروا والدهم ولم يعرفوه إلا بصورة” عبارة قالتها سهام بحرقة عندما سألتها أين والد طفليك.
سهام زوجة المواطن أحمد ذي ال30عاماً، اعتقل زوجها بتهمة التعاون مع إرهابيين منذ 4أعوام بعد اجتياح قوات النظام لحي بابا عمرو في حمص بتاريخ 3فبراير 2012 الذي صادف إحياء الذكرى الثلاثين لمجزرة حماه عام 1982، حيث حشدت قوات الفرقة الرابعة مدعمة بعناصر من الحرس الجمهوري و7آلاف عنصر أمني.
ليس فقط داخل القبضان، حتى خارجها هناك أرواح محتجزة والأصعب أن الطرفين لايعرف شيء عن الآخر وهم في انتظار المجهول.
تقول سهى :”أتخيل زوجي يومياً بجسد أنهكه الجوع والألم هناك داخل السجن، سهى تصبح فجأة شاردة الذهن لتعود بعد لحظات وتكمل قائلة: “أعمل أنا كخادمة في المنازل لأعيل أطفالي، فهم كانوا في الأشهر الأولى من عمرهم عندما اعتقل أحمد، أعود من عملي عصراً لأعمل في الخياطة ليلاً، فأنا بحاجة المال لأعطي المحامي الذي كان يتكفل بقضية زوجي، أنا لم أرى زوجي أبداً منذ اعتقلوه والآن لا أعلم حتى إن كان على قيد الحياة، فالمحامي الذي كان يتكفل بقضيته اختفى فجأة، وعندما ذهبت للسؤال عنه في نقابة المحامين احتجزني عناصر أمن النقابة لأكثر من 7ساعات بتهمة اختطافه.
وقد أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بتقرير لها في أواخر ديسمبر 2015 أن أكثر من 215ألف معتقل في سجون النظام السوري منذ بدء الاحتجاجات كما أكدت المنظمة أن السجون تفتقر لكل الإمكانيات الصحية والطبية، وأن الأمراض الوبائية منتشرة بين المعتقلين كالسل والحصبة، كما وثقت المنظمة جزء كبير من الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكب في سجون النظام وأن المعتقلين يعيشون في ظروف لا إنسانية ويتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي بشكل دائم ومستمر.
سهى الشابة في مقتبل عمرها كتب عليها وعلى عائلتها التشتت في بيتها الصغير حيث تقطن مع طفليها بأحد الأقبية، تتزاحم مشاعرها مع كلماتها، تحاول أن تكمل قصتها دون بكاء لكنها لا تستطيع، تقول : “غافلت عنصر الأمن وخرجت من البوابة الخلفية بهدوء، وهرعت مسرعة إلى كراج البولمان، لم أكن متأكدة أنني سأصل، في كل حاجز كنت أقول لنفسي نهايتي هنا، وصلت منزلي وأنا أشعر أن دقات قلبي تطرق في رأسي، لم أصدق أني رأيت أطفالي مرة أخرى، وكنت متأكدة أنني لن أعود إلى هناك وأن آخر أمل لي برؤية زوجي قد انتهى هناك”.
تمسح دموعها سهى وتعود للحديث بعدما شهقت وأخذت نفساً عميقاً : “الآن أنا أعمل لأربي أطفالي وانتظر فرج كربتي من الله”، تنهي سهى حديثها وهي تسألني : “هم يتحدثون الآن عن حل سلمي ومفاوضات لحل الأزمة، أين نحن من حل الأزمة، هل مفاوضاتهم ستعيد لي زوجي وعائلتي، هل اجتماعاتهم قادرة أن تعيد العمر الذي سرق من أطفالي؟”.
علما أم مفاوضات جنيف 3لاتزال متأرجحة وعلى مايبدو أنها ستؤجل بحسب دبلوماسيين بالأمم المتحدة ، ذلك في ظل محاولة روسيا تعطيل المفاوضات من خلال التدخل في تشكيل المعارضة واستمرارها في قصف المدنيين فضلاً عن عدم تنفيذ إجراءات بناء الثقة من قبل نظام الأسد.
في طريق الحل السياسي، والأيام تمر على أرواح المعتقلين، أولئك الفدائيون الذين يضحون بأجسادهم لتحمل أرواحهم رسائل لمن بقي فيه قليل من الحياة.
ألاء هدلي
المركز الصحفي السوري