أشجار الرمان من الأشجار المباركة التي تساهم في رفع مستوى دخل الكثير من مزارعي مدينة إدلب، وتشكل طقساً جميلاً من طقوس موسم قطافه على أبواب الخريف بعد أن تشرب حباته من أول قطرات أمطار أيلول معلنة بداية شهر الخير والعطاء فكما يقال” أيلول دنبه مبلول”.
تلك الأشجار الجميلة تنتشر بكثافة في بساتين المدينة وريفها المعطاء، أشجار تسر الناظرين إليها وهي مثقلة بثمرها اللذيذ، تدنو من الأرض وكأنها ثمار خجلة متواضعة رغم أنها تقدم ألذ الثمار وأكثرها نفعاً.
وإضافة لشكلها الجميل من الداخل والخارج، إلا أنها أيضاً غنية بالفوائد الغذائية المميزة من فيتامينات ومعادن ومضادات للأكسدة تجعل الكثيرين يرغبون في شرائها والتلذذ بمذاقها.
وبدمدمات أغنية جميلة ترددها “أم علاء” وهي تفرط حبات الرمان تكشف لنا كيفية صنع أشهى أنواع العصير قائلةً “أنزع رأس الرمانة وأقسمها لقسمين وبواسطة معلقة خشبية أضرب نصف الرمانة لتتساقط حبات الرمان الجوهرية على وعاء يكون ملازماً ليدي حتى لا تتناثر قطرات من ماء الرمان على الأرض أو الملابس، كون عصير الرمان يتميز بصبغه السريع للون الأحمر، وعلى قولة الجدة –الله يرحم تربتها- “كل سنة بننزع ثوب أو ثوبين بعصير الرمان مشان ما نندم بنرتدي القديم من تيابنا”.
وكلنا يعلم قدم زراعة تلك الشجرة، وخصوصاً في المناطق القريبة من البحر المتوسط، كما ذكر اسمها في أساطير مصرية وإغريقية ورومانية وكما جاء ذكرها في القران الكريم وأشاد بها الكتاب المقدس.
تهز “أم علاء” رأسها متحسرة على أيام ماضية قبل استنزاف سوريا في حرب مريرة، قائلةً “كم أتباهى بصنع عصير الرمان وغليه على النار ليصبح “دبس الرمان المكثف” وأخزنه سنوياً في زجاجات بلورية مظهرة شطارتي بكثافته وحموضته أمام أقاربي مع تقديمي لهم زجاجة هدية للمباركة في موسمه.. أما اليوم في ظل ظروف حرب قاسية أفقدتنا الكثير من العادات نتيجة تدهور الأحوال المادية.. من سيء إلى أسوء وارتفاع ثمن أنبوبة الغاز التي لم نعد نستخدمها إلا للضرورة.. أصبح تناول عصير الرمان فرش يكفي”.
ومع نسمات الخريف تكثر مشاهدة الباعة المتجولين في شوارع المدينة، وعربات بيع الخضار وكل من الباعة ينادي على بضاعته التي تشتهيها الأبصار كما تشتهيها المعدة والنفس معا، بصوت رنان يطرب الآذان “قرّب ع الرمان.. طيب يا رمان ..عصفوري هل رمان”.
تدمدم “أم علاء” بصوت متفائل وهي تسمع صوت الباعة ورغم الألم الذي أصاب مدينتها من دمار وتشريد وقتل للأبرياء، “ستستمر الحياة وتزهر في السنة القادمة أشجار الرمان، من جديد معلنة استمرار الحياة في وطن يرفض الموت ويصمد بهمة بصبر أبنائه”.
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد