تركوا أحلامهم وذكرياتهم بحلوها ومرها قابعة خلف الركام والمنازل المدمرة، وأرغموا على التخلي عم موطنهم ومسقط رأسهم مكرهين ليعيث جنود النظام وميليشياته فسادا أكثر مما هم عليه، متبعين سياسة الأرض المحروقة وما من خيار أمام الأهالي فإما الخضوع والخنوع لهم أو العيش تحت رحمة صواريخ طائراتهم التي لا ترحم ولا تقيم اعتبارا للمدنيين بما يهم الأطفال الأبرياء والنساء الضعفاء.
ومع وصول أول دفعة من أهالي حي الوعر لمناطق الشمال السوري المحرر الذي اكتظ بالمهجرين قسرا وباتت مناطقه عبارة عن سوريا مصغرة ببقعة ضيقة، تبدأ رحلة معاناتهم في خوض حياة جديدة لا تشبه بتفاصيلها تلك الحياة التي كانوا يعيشونها باستثناء القصف بشتى أنواع الأسلحة والذي رافقهم برحلة النزوح وربما قد لا تكون الأخيرة.
يقول لنا أحمد أحد المهجرين سابقا من مدينة حلب:” حياتنا تخلو من الاستقرار، فأصبح حلما يراود كل شخص عاش تجربة الحصار وأجبر على ترك منزله بأثاثه فقد أمضينا عمرا نعمل ونكد ونواجه الصعوبات لنحتمي تحت سقفه، ليؤول بنا الحال في مراكز إيواء غير مخدمة ومعرضة للاستهداف في أي لحظة”.
يضيف وقد أضنى جسده النحيل التعب وامتلأ وجهه المنهك بتجاعيد لم يكن للزمن دور في صنعها:” مع إشراق شمس الصباح يبدأ عملي بالمرور على المكاتب العقارية علي أجد منزلا بفرش بسيط أستطيع خلاله تلبية متطلبات المعيشة فلا قدرة لنا على شراء أثاث حتى المستعمل منه لضيق الحال ولعدم ضمان الاستقرار، ففي أي لحظة نحن معرضون للنزوح من جديد وترك كل شيء والسلام بأنفسنا وأطفالنا”.
ومع تدني مستوى الليرة السورية وارتفاع سعر صرف الدولار يشهد سوق العقارات ارتفاعا وبالأخص في إيجارات المنازل المفروشة، فقد يصل سعر بعضها شهريا لما يقارب 100 دولار وبتجهيز بسيط قد لا يتوفر فيه كافة الخدمات والمستلزمات اليومية.
لم تكن مدينة ادلب وحدها التي ازدحمت بالنازحين، بل هناك كثير من الأهالي لجؤوا للمناطق الحدودية مع تركيا والواقعة في ريف حلب كجرابلس واعزاز وغيرها كونها أكثر أمنا من غيرها ولا تتعرض للقصف بشكل مستمر ويومي، إلا أن العائلات البسيطة وذات الدخل المحدود لا يمكنها تحمل عبء الإيجارات في تلك المناطق فقد يصل سعر بعضها ل 200 دولار شهريا وبعض المالكين يستغلون الوضع ويطلبون دفع 3 أشهر مقدما وهنا تكمن المصيبة.
يواجه السوريون المهجرون صعوبات عدة لم يكترث لها النظام ولم يقم لإنسانيتهم أي اعتبار يذكر، فجل همه أن يوسع نطاق سيطرته ويبرز عضلاته ويستعرض مهاراته في تشريد الشعب السوري ولو على حسابهم وفوق أبنيتهم التي دمرها بوحشيته، لكن هل سيدوم الظلم ويستمر الظالم في همجيته أم أن الحق سينتصر ودماء الأبرياء لن يذهب هدرا؟.
مجلة الحدث _ سماح الخالد
هموم الناس