لعل أهم وأخطر تغيير طرأ على الهاتف أو اللابتوب أو الكمبيوتر المكتبي عن طريق التصفح هو ميزة تحديد المكان، حيث اتسع الأمر وتنافست شركات التكنلوجيا العالمية بكل وسيلة لتحديد أماكن المستخدمين ومعرفة اهتماماتهم وأماكن تواجدهم، فأدخلو تقنيات تحديد الموقع الجغرافي بكل جهاز وبكل تقنية، تارة باسم تحسين الخدمة وتارة باسم الكشف عن الجهاز الضائع وكل تلك الخدمات وغيرها وإن كانت مفيدة إلا أنها تساهم في جمع المعلومات عن تحركات وأماكن ذهاب المستخدم في حله وترحاله.
أحال فرع الأمن العسكري في إدلب عام 2013 “أبي حسن” بتهمة الدخول على مواقع للتصفح كانت ممنوعة ومراقبة من قبل السلطات الأمنية وخصوصاً بعد تأجج الصراع وخروج الأهالي في تلك المدينة للمناداة بالحرية والخلاص من نظام الاستبداد والظلم، وبتهمة التوقيف أمضى ثلاث سنين من الحرمان والذل في سجون لا تعرف سوى القمع والعنف.
ولدى مقابلتنا معه بعد خروجه بثلاثة أشهر أخبرنا بحرقة في الكلام عن آلام دفينة في الصدر قائلاً “لسوء الحظ فإن الهواتف المحمولة وأماكن التصفح في صالات الإنترنت لا تؤمن الحماية للاتصال وإنما تجعلك عرضة لمخاطر جديدة من المراقبة خصوصاً في تتبع موقعك والأماكن التي تذهب إليها.. ومع نظام يخاف حتى من خياله، كانت أولى التهم الموجهة إلي زيارة مواقع معادية للنظام، بحجة أنها مواقع إرهابية”.
بالطبع الاتصالات هي عصب الحياة اليوم وأمنياً هي الرئة التي يتنفس منها جهاز الأمن ومصدر المعلومات؛ حيث كانت الاتصالات أكثر الأضرار التي لحقت بالأفراد المعارضين وذاك بفقد الشعب السوري الكثير من الشبان إما بالاستشهاد أو الاعتقال من خلال ترصد المكالمات وتتبعها واختراقها.
وقد أثبت الواقع العملي من مسيرة الثورة السورية المستمرة منذ سنين طوال أن كثيرا من قيادات المعارضة قد تلقوا مكالمة مثيرة قبل استشهادهم تجعلهم يخرجون من مكانهم أو يتحركون بسرعة وبدون تفكير بسياراتهم فيكونوا عرضة للاعتقال أو القتل.
كلنا يعلم حقيقة الإنترنت في سوريا، فعندما صمم كانت الحكومة تركز على مفهوم الأمن أكثر من تركيزها على الخدمة ذاتها، ولذلك اعتبر النفاذ المفتوح والحر إلى الإترنت خطراً كبيراً، كون الفكرة الأساسية في الإنترنت السورية؛ هي اعتبار كل خدماته ممنوعة حتى يثبت العكس، مما لم يمكن السوريون من التعامل لفترة طويلة مع أي نوع من خدمات الشبكة سوى تصفح المواقع عبر بروتوكول، ناهيك عن رقابة المواقع نفسها ومنع الوصول إلى المئات والآلاف منها.
لم يكن “أبو حسن” الوحيد ممن تم اعتقالهم بتهمة استخدام الانترنت، فقد قامت السلطات السورية باعتقال عدد من مستخدمي الانترنت خلال السنوات الماضية، وأحالت بعضهم إلى محاكمات أمام أمن الدولة شبه العسكرية، بينما حوكم البعض الآخر أمام المحاكم العسكرية التي قضت بسجنهم فترات متفاوتة، بينما تم اعتقال البعض الآخر ولم توجه له الاتهامات.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد
الثورة والناس