تعيش مدينة منبج في ريف حلب الشرقي على وقع حصار خانق من كل الجهات منذ 47 يوما، ويترافق هذا الحصار مع معارك ضارية تجري على الأرض، وقصف جوي عنيف من التحالف، ذهب ضحيته عشرات المدنيين.
ويقول أبو عمر، من منبج، إنه لا يمرُّ يوم تقريبا دون “مجزرة” لقوات التحالف في مدينة منبج وريفها. ويضيف لـ”عربي21“: ” أكثر من 160 شهيد قتلهم طيران التحالف بدم بارد، معظمهم نساء وأطفال في قرية التوخار شمال منبج”، الثلاثاء.
ويؤكد ناشطون أن مجزرة التوخار ليست استثناء إلا بالعدد الكبير من الضحايا. ويتابع الناشط أبو عمر: “قصف التحالف يوم الاثنين بناية محمد سعيد، في حي الحزاونة في المدينة، ما أدى لمقتل قرابة 15 شخصا، منهم عائلة جاسم السعيدي بالكامل”، وفق قوله.
ويقول المدرس أحمد العلي: “عاد جاري خالد درويش من دفن ابن أخيه في شارع الرابطة، قبل أن يصل بيته سقط شهيدا مع أخيه إبراهيم وأمه وطفل صغير، ليعود للمقبرة مقيما لا زائرا”، على حد وصفه.
ولم يسبب القصف خسائر في الأرواح فحسب؛ إذ تشهد مدينة منبج دمارا كبيرا في الأبنية والبنية التحتية. ويقول الناشط الإعلامي أبو يوسف من منبج: “كل المناطق التي تقدمت لها قسد (قوات سوريا الديمقراطية) مدمرة أو شبه مدمرة، فسيناريو عين العرب (كوباني) والرمادي يُعاد في منبج”.
خبز بالدم
ورغم اشتداد القصف، يضطر أهالي منبج للوقوف ساعات طويلة للحصول على ربطة خبز، يتعرضون خلالها لخطر القصف من جانب طيران التحالف أو القنص من جانب قوات سوريا الديمقراطية.
ويقول أبو عمر: “قُنِص ستة مدنيين خلال شهر عند براكية الخبز، التي تقع أول دوار طريق الجزيرة”. وتوجه الاتهامات لقوات سوريا الديمقراطية، في حين يُحمِّل الأهالي تنظيم الدولة جزءا من المسؤولية.
ويتساءل أبو عمر: “لماذا يستمر التنظيم بتوزيع الخبز عند الدوارات الرئيسة وهو يرى عمليات القنص، وهناك شوارع فرعية تغيب عن القناصة؟!”. ورغم ذلك لا يحصل الأهالي على حاجتهم من الخبز رغم المعاناة، حيث “يضطر الناس للخروج قبل صلاة الفجر من أجل حجز دور، فالتوزيع يبدأ الساعة السادسة صباحا، وغالبا لا يكفي الخبز الموجودين، وكثيرا ما تحدث ملاسنات ومشاجرات”، وفق قوله.
وغدت الخضار ضربا من الرفاهية، ليست بمتناول الجميع؛ لندرتها وارتفاع سعرها. وفي هذا السياق، يقول الناشط أبو يوسف: “الخضار شبه مفقودة؛ إذ يأتي للسوق في التاسعة صباحا ما بين صندوقين إلى خمسة صناديق من البندورة، وخمسة أكياس باذنجان أو كوسا”. وتأتي الخضار من البساتين المتبقية داخل المدينة، لكنها لا تكفي حاجة 5 في المئة من السكان، كما يقول ناشطون.
وفُقدت المواد الغذائية الرئيسة كالرز والبرغل والزيت والسمنة من المحلات، فيما يتولى تنظيم الدولة بيع السكر والسمنة للأهالي. ويتابع أبو عمر: “لكن الدور يكون طويلا، ما يجعلك عرضة لخطر القصف أو القنص”.
وما زالت مياه الشرب متوفرة في معظم الأحياء، في حين تنعدم خدمة الكهرباء، ويقتصر وجود الكهرباء على بعض الأحياء التي تعتمد على مولدات الديزل. ويوضح أبو عمر أنه “لم تعد الأمبيرات تعمل كالسابق؛ إذ تعمل لساعات قليلة وبأسعار مرتفعة، حيث وصل الأمبير لألفي ليرة أسبوعيا”.
تدهور الوضع الصحي
ويزداد تدهور الوضع الصحي يوما بعد آخر، ويشعر الأهالي بوطأته مع فجر كل يوم جديد. فقد خرج المشفى الوطني وعدة مشاف عن الخدمة، وبدا نقص الأدوية ظاهرا.
ويشير أبو يوسف، أحد سكان المدينة، إلى أنه “بدأت بعض الأدوية بالاختفاء، كأدوية الإسهال والقلب والضغط والسكري”. ويتابع لـ”عربي21“، شارحا وضع المشافي: “استولى تنظيم الدولة على المشفى الوحيد في المدينة، الأمل (أصبح اسمه أم المؤمنين عائشة)، ويعالج المصاب بأي طلق ناري بمئتي ألف مهما كانت الإصابة”.
ومع اختفاء حليب الأطفال ومشتقات الألبان، التي تشتهر بها منبج، إضافة إلى البيض والسيريلاك، يُخشى أن تدخل المدينة في مجاعة حقيقية إذا استمر الحصار ونفد المخزون عند الأهالي.
استمرار المعارك
ولا تؤشر المعارك الجارية على قرب انتهاء الوضع المأساوي، فبعد 47 يوما لم تسيطر “قسد” إلا على أجزاء محددة من منبج.
ويقول أبو يوسف: “تأخذ المعارك طابع الكر والفر، وقد وصلت قسد لجامع الفتح على طريق حلب منبج من الجهة الغربية، وحي الحزاونة والمشفى الوطني، ولا يبدو أن داعش سيستسلم بسهولة”، بل يسعى التنظيم لتجنيد مزيد من الشباب؛ لتعويض الخسائر البشرية.
ويضيف: “تفاجأ الشباب الذين أجبروا على حضور دورة شرعية في جامع الفرقان بأنهم سيذهبون للجهاد بعد ستة أيام”، مشيرا إلى أن طيران التحالف صعّد القصف “دون تمييز”، ما أدى لمقتل عدد كبير من المدنيين. وردا على ذلك، أطلق نشطاء منبج حملة “منبج تُباد”.
غربي21