يقول معهد واشنطن The Washington Institute لتحسين السياسات الأميركية في الشرق الأوسط إن السودان يمكنه بعد أكثر من عام بقليل منذ سقوط نظام عمر البشير الذهاب إما نحو نمط مألوف من الخلل الوظيفي، أو نحو مسار رائد لا يستفيد منه سكان البلاد فحسب، بل العالم العربي الأوسع وما بعده.
وأوضح المعهد، في مقال للكاتب ألبرتو فرنانديز نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام بواشنطن والقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم الفترة من 2007 إلى 2009، أن مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي الواسعة في السودان والتي نظمتها لجان المقاومة، وهي القاعدة الشعبية لقوى الحرية والتغيير، رفعت العديد من المطالب المحورية ومنها الانتقال السريع نحو الحكم المدني، والمزيد من الحزم من قبل المدنيين، والنأي عن عناصر النظام السابق التي لا تزال مهيمنة في الجهاز البيروقراطي للبلاد، والمساءلة عن انتهاكات النظام السابق، وتخفيف قبضة الجيش على الكثير من المجالات.
تاريخ فريد
وقال الكاتب -في مقاله الذي جاء تحت عنوان Sudan on Edge: An Inevitable Fall or a Better Way Ahead?– إن أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط تعج بالدول التي تقف على حافة الهاوية، لكن في منطقة يفترض أنه محكوم عليها بأنواع مختلفة من الاستبداد، فإن تاريخ السودان الفريد، كأول دولة تسقط نظاما استبداديا قديما بمفردها، من الممكن تحطيم العديد من التوقعات المتشائمة السائدة.
وأشار إلى أن اقتصاد السودان الفقير بالفعل ظل حتى قبل أزمة وباء “كوفيد-19” والانكماش العالمي اللاحق في تدهور مستمر، إذ وصل معدل التضخم حوالي 100%، والبطالة 25%، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8% هذا العام بعد انكماشه 2.5% العام الماضي، كما أن على البلاد متأخرات بمليارات الدولارات من الديون للمقرضين العالميين بسبب عدم كفاءة القادة السابقين وجشعهم، كما طُلب من السودان دفع 826 مليون دولار تعويضا عن تفجيرات تنظيم القاعدة لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، ولا يزال اتفاق تسوية هذه المطالبات بمبلغ 300 مليون عالقا في مجلس الشيوخ الأميركي.
حمدوك لم يفشل
ومضى الكاتب ليقول إن حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم تفشل رغم أنها لم تحقق تقدما. فهي الحكومة الأكثر تنوعا في البلاد، وهي التي سمحت بحرية الصحافة وألغت القوانين التي حدت من حقوق المرأة والحقوق الدينية وبدأت عملية مؤلمة وبطيئة، في نظر النقاد، لتحقيق الشفافية والمساءلة في تصرفات النظام السابق، واستردت ما بين 3.5 و4 مليارات دولار من الأصول، وفقا للجنة مكافحة الفساد وتفكيك النظام، كما أحرزت تقدما حقيقيا الشهر الماضي بمؤتمر “شركاء السودان” في برلين، وحصلت على 1.8 مليار من المساعدات الجديدة وحسنت العلاقات طويلة الأمد مع صندوق النقد والبنك الدوليين، لكن هذه التطورات الأساسية المشجعة كانت مجرد خطوات أولية.
وعلى الرغم من صدق وجدية الحكومة المدنية، يقول الكاتب، فإن السودان لا يمكنه التعافي من ميراث ثلاثة عقود من الفوضى والخلل بين عشية وضحاها.
وحث الكاتب الولايات المتحدة للإسراع لتعزيز الحكومة المدنية في السودان وتقديم الدعم المبكر لها، وتحذير القادة الإقليميين من استخدام السودان ككرة قدم جيوسياسية أخرى.
خيار مصيري
وقال الكاتب إن أمام الولايات المتحدة خيارا مصيريا في هذه اللحظة المحورية. فمن الممكن أن تتعامل مع السودان كما لو كان لديه وقت كاف تماما لتصحيح الأمور، أو يمكن أن تعطي الأولوية للبلاد كحالة عاجلة للدعم الفوري، حالة تقدم فيها فوائد حقيقية للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة.
وختم المقال بالقول إن السودان الذي ورث تركة ثقيلة وحوصر في توترات سد النهضة بين الجارتين مصر وإثيوبيا، سيكون من السهل على واشنطن حذفه من اهتمامها، ومع ذلك، وبالنظر إلى اليأس وانسداد الأفق في معظم البلدان الناطقة بالعربية، من المهم أن تفعل واشنطن كل ما في وسعها الآن، وليس لاحقا، لضمان ظهور السودان كدولة متسامحة يقودها المدنيون بدلا من دولة فاشلة أخرى. وسيكون هذا أفضل ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن أيضا لمنطقة متعطشة لقصص النجاح النسبي وسط البؤس الذي يتراكم كل يوم.