روى سجين سابق في أحد الفروع الأمنية في سوريا تفاصيل اعتقاله هناك، ناقلا تفاصيل “مروعة” عن التعذيب الذي تعرض له على يد القوات الأمنية هناك.
وقال عمر أحمد الشغري، الشاب من قرية “البيضا” في مدينة “بانياس”، في شهادته لموقع “السورية.نت” إن العشرات من شباب قريته قتلوا في المجازر التي حصلت هناك، بعدما خرجت القرية منذ بداية الثورة في وجه النظام السوري، ومنهم والده أحمد، وشقيقاه محمد وعثمان.
واعتقل عمر في 16 من كانون الثاني/ ديسمبر 2012 لمدة عامين وثمانية أشهر، واقتيد إلى مفرزة الأمن العسكري في بانياس، مع اثنين من أبناء خالته، وهما بشير حذيفة، ورشيد حذيفة، اللذين توفيا جراء التعذيب، بالإضافة إلى ابنة خالته التي نجت، دون أن يكون هناك سبب للاعتقال، سوى أن “قوات الأمن أرادت في تلك الفترة تفريغ قريبة البيضا من الشباب” بحسب قوله.
استقبال في الفرع
وحالما وطئت أقدام الشغري مدخل فرع الأمن العسكري في طرطوس، فإنه استُقبل من قبل العناصر بالضرب المبرح على كافة أنحاء جسده.
وأشار عمر، الذي اعتقل أكثر من 11 مرة، إلى أن “الخطوة الأولى على طريق إهانة المعتقل هي تجريده من الملابس، والوقوف عاريا أمام السجانين وهم يتفحصون جسد المعتقل والتأكد من أنه لا يحمل أدوات حادة لمنعه من الانتحار”، بحسب قوله، موضحا أن أن السجانين يعملون على تحطيم الحالة النفسية منذ الساعات الأولى لدخول المعتقل.
وأُدخل الشغري، وأبناء خالته، إلى الزنزانات المنفردة، التي يصفها بأنها “عبارة عن مساحة صغيرة لا تتجاوز المترين، مقسومة في المنتصف بحائط، وفيها بطانية مهترئة، والكثير من الفئران، يجلس المعتقل فيها بجوار الحفرة الصغيرة التي يُفرغ فيها فضلات الجهاز الهضمي”.
ويترك المعتقل في هذه الزنزانات مكبل اليدين وراء الظهر بالكلبشات، بحيث لا يستطيع الاستلقاء أو الجلوس، بحسب شهادة الشغري.
قبل التحقيق
وفي التحضير لـ”جلسة التحقيق يتعرض المعتقل السوري لمجموعة من المواقف التي تجعله ينهار قبل الوصول لغرفة المحقق”، بحسب عمر، الذي أضاف: “أخرجونا من الزنزانات الانفرادية إلى أحد الممرات، ظننا أنا ذاهبون إلى التحقيق، وطوال وقوفنا كنا عرضة للضرب بعصي الكهرباء، والهراوات من قبل السجانين”.
وبقي عمر وأبناء خالته في الممر قرابة 18 ساعة، حيث “كنا نسمع أصوات التعذيب من الغرف المجاورة لنا، كنا نسمع بكاء المعتقلين بسبب تعرضهم لعقوبة الشبح، سمعت معتقلاً يقول للسجان أرحني من الشبح وسأتحدث كما تريد”، مشيرا إلى أن “الهدف من إسماعنا لهذه الأصوات كان القول لنا إن مصيرنا كمصير هؤلاء”.
ويعرف “الشبح” في المعتقلات السورية، بأنه أسلوب تعذيب يقوم على تعليق المعتقل من يديه ورفعه عن الأرض بحيث يصبح ثقل الجسم بأكمله متركزا في اليدين المعلقتين.
أثناء التحقيق
وأثناء التحقيق، سأل المحقق الشغري مباشرة: “ما السلاح الذي تحمله؟ وكم ضابطا في الجيش قتلت؟”، فأجابه بأن عمره 17 عاما، ولا يستطيع حمل السلاح ولا القتل، إلا أنه اضطر تحت التعذيب لاختلاق قصص والإدلاء بـ”اعترافات”، سواء كانت صحيحة أم لا.
ومن بين الأساليب التي أجبرت عمر على الاعتراف بأمور لم يقترفها، تعرضه للصعق الكهربائي، إذ قال الشغري: “بعدما رفضت الاعتراف جاء الضابط وقال لي (هلأ منتفق) وبدأوا يرشون الماء على جسدي، ويشعلون الكهرباء، ثم أتى المحقق بمادة رائحتها تشبه رائحة المعقم، ووضع المادة على قطنة ورسم في منتصف رقبتي إشارة تشبه حرف x باللغة الإنكليزية، وأشعل التيار الكهربائي”.
وقال الشغري إنه لا يعرف ماهية هذه المادة، لكنه أوضح “ما شعرت به كان أشد ألم ممكن أن أتخيله في حياتي، ألم جعلني أشعر بأنني في كوكب آخر، لم يعد بمقدوري تحريك لساني، كنت أود أن أقول له توقف وسأقول ما تريد، لم يحصل ذلك لأنه أغمي عليّ من شدة الألم”، إلى أن اعترف أخيرا بأنه كان يملك بارودة صيد، لكنه لم يعترف بقتل أحد.
“عمر”
وتسبب اسم عمر بمزيد من المتاعب، بسبب الجو الطائفي في الفروع الأمنية ضد المعتقلين، مشيرا إلى أن أحد العناصر في الأمن العسكري بطرطوس سأله عن معلوماته، فقال له إنه “عمر، من بانياس، من قرية البيضا”، فأجابه المحقق: “بالنسبة للعائلة واسم القرية لا مشكلة، أما أن اسمك عمر فهذا يجلعني أقسم بأنك لن تخرج حيا من المعتقل”.
وعن حالة ابن خالته بشير، قال عمر إنه رآه في أحد الزنازن الجماعية، حيث وصل إلى الزنزانة وأضراسه قد تكسرت، والجروح في جسده مفتوحة بـ”الدريل”.
عربي 21