واشنطن – تعاني غالبية الصحفيين من ضعف المردود المادي في عمل يتصف بأنه أصبح من ضمن المهن الأكثر خطورة على مستوى العالم، وهو ما دفع الصحفي المستقل سكوت كارني إلى إطلاق حملته “كيكستارتر” التي تهدف إلى بعث الحماس في الصحفيين المستقلين الذين يحاولون النجاح في عالم الإعلام، بحسب تعبيره.
وكارني هو صحفي مستقل عمل لصالح مجلات واسعة الشهرة مثل وايرد وآوتسايد، وفي أثناء عمله أجرى بعض الحسابات، حيث كان يتقاضى بين 5 آلاف و 8 آلاف دولار لكل قصة رئيسية في واحدة من هذه المجلات، إلا أنه تابع أسعار الدعايات التي تتقاضاها هذه المجلات ووجد أنها بلغت أرقاما صاعقة تصل إلى 140 ألف دولار.
وأدرك من خلال هذه العملية الحسابية أن “الصناعة الصحفية تمتلك أموالا ضخمة تدعمها، لكن نحن (الكتاب) لا نتقاضى نصيبنا”. ويرى أن الصحفيين يتقاضون رواتب دُنيا ويتم تجاهلهم، حيث يكررون باستمرار هذه الرواية المغلوطة بأن “الكتبة هم فنانون يتضورون جوعا”.
يكافح كارني الذي استمر في العمل الصحفي لعقود من الزمن، وهو مؤلف وله منشورات، للدفع قدما بحملة “كيكستارتر”، بهدف تقديم الدعم المالي لمغامرة يدعوها أسعار الكلمة “ووردريتس”، ومختبر اقتراح الأفكار الصحفية “ﭙتشلاب”.
يتمثل هذا المفهوم في وجود محور رقمي للصحفيين المستقلين، يستطيعون المشاركة بالمعلومات بعائدات مادية أفضل من الأجور التي تدفعها المجلات والعقود، فاتحين المجال لهم بتقييم المحررين الفرديين والشركات وإنشاء نموذج لمعالجة القصص بشكل يزيد من فرص بيعها.
يقول كارني “من المثير أن نكون قادرين على العطاء للمجتمع، لقد نشأت ككاتب مستقل بدعم قليل، كان لديّ شبكات غير رسمية لكن لا يعلمك أحد مهارات المهنة التي تحتاجها للنجاح”.
وكان من عوامل التحفيز أن حملة كيكستارتر تخطت التوقعات التمويلية، والهدف المالي الذي وضعته في الأساس، فتلقت أموالا إضافية عبر التمويل الجماعي.
هذه الأموال مخصصة لإنشاء المنتج الرقمي. يخطط كارني لإطلاق عمله في شهر أغسطس. ووصل عدد الداعمين لهذا المشروع حوالي 234، قبل يومين من إغلاق باب التمويل الجماعي.
وبحسب كارني فإن هذا المشروع مكون من جزأين، الأول هو منصة “ووردريتس” مثل يلبلايك – Yelp-like التي يسعى لإطلاقها. وتتلخص الفكرة في منح الصحفيين المستقلين مساحة للمشاركة بخبراتهم ومساهماتهم لدى المؤسسات الإعلامية المختلفة. ويمكنهم استعراض كتاباتهم حول كيف كانت تجربتهم في العمل مع محرر معين أو دار نشر. وذكر الأمور الجيدة والسيئة أوالمخيبة التي يمكن إيرادها في صفحات الملف الشخصي.
يستطيع المستقلون هنا أن يقارنوا شروط العقود، وهو مجال بقي محصورا بشكل خاص بصاحبه لغاية الآن. وبهذه الطريقة يمكنهم أن يعرفوا المزيد عن أصحاب العقود الموقعة لتلك الشركة، وما هي الأسعار المفروضة وأين مسؤوليتك أو العوائق التي يمكن أن تواجهها.
ويواصل كارني العمل على التفاصيل، فواحدة من الأفكار التي ما زالت قيد الدراسة هي قابلية وجود عنوان بريد إلكتروني للتواصل مع المحررين الرئيسيين بخصوص ووردريتس، وذلك سيحدث من وراء الكواليس بحيث لا يستطيع الولوج إليها إلا الأعضاء الذين يدفعون الرسوم.
أما الجزء الثاني فهو عنصر ﭙتشلاب، يتصور كارني الوصول إلى مجتمع يستطيع فيه أي كاتب أو صحفي أن يرسل مقترحات القصص الخاصة به، تلك الغنية بالمواد الفكرية الممتدة والمتعمّقة، ثم يقوم فريق من الصحفيين الموثوقين (كارني وفريق عمل يجمعه من خلال شبكته والذين سيساعدون أثناء وقت فراغهم) ممن يملكون خبرة واسعة ونجاحا في السرد بتدقيق المادة. ويساعدون في بيع مقترحات القصص التي تمتلك الحظوظ الأكبر للحصول على أعلى الأسعار من مؤسسات النشر.
هذه العملية هي أشبه بتحويل ﭙتشلاب إلى وكالة للمجموعات، كما هو مخطط لها، استنادا إلى خبرة كارني الذي عمل مع وكلاء خاصين عندما نشر كتبه، وقال إنه كَسِب أكثر عندما نشر شخص آخر عمله.سكوت كارني: نريد للمستقلين أن ينظروا إلى عملهم كسلعة يمكن المساومة عليها
ويتوجه للصحفيين المستقلين “من الصعب أن تدافع عن قيمك الذاتية أو تناصرها بنفسك، فإذا حصلتم على عرض لقصة ما، فإن رفضه يكون صعبا عندما تكون قيمتكم الشخصية مرتبطة به. نريد للمستقلين أن ينظروا إلى قيمة عملهم كسلعة يستطيعون المساومة عليها بقوة أكبر”.
ويؤمن كارني بقوة أنه بوجود هؤلاء “الوكلاء” الذين يبحثون عن الموهبة ويقومون بعمليات البيع، يستطيع مساعدة المستقلين أن يكسبوا أجورا أعلى -وأكثر عدلا- وهو الهدف النهائي.
حتى الآن، بالإضافة إلى الدعم المالي لكيكستارتر، يقول كارني إنه يتلقى عددا مهولا من الرسائل الإلكترونية الداعمة.
ويضيف “يعرف الكتّاب أن الأمور تحتاج للتغيير”، والمحررون غير المتفاعلين وتم انتقادهم من خلال يلبلايك، أصبحوا يرون قيمة المشروع لأن لهم ذات الأهداف بإظهار المواهب الكبيرة وتقديم أعمال رائعة.
ويمثل “ووردريتس” و“ﭙتشلاب” شيئين مختلفين لأنهما يتعلقان بإنشاء نموذج لمؤازرة عمل المستقلين. وتقدم المصادر الموجودة في الخارج لمساعدة المستقلين مثل ميديابيسترو وكونتنتلي أفكارا وأمثلة لمقترحات قصص ناجحة وقدرة جيدة على التواصل مع المحررين.
والمواقع الأخرى مثل سكراتش ماجازين وداتابيسيز تقارن ما يتم دفعه بين دور النشر والمصادر، خاصة في حالة المستقلين. إلا أن “الكثيرين لا يتدخلون بأنفسهم في العمل المتعلق بالمفاوضات”.
وفي النهاية، يعتمد مدى نجاح هذه المواقع على مشاركة الجمهور. يقول كارني “إن تعاضد الكتاب معا سيجعل المشروع ناجحا، أمّا إن لم يكن لدينا مجتمع نشط فلن ننجح. وبرغم ذلك، إن فشل المشروع ، فإن الشيء الوحيد الذي سينتج عنه هو قدرة الكتّاب المستقلين على التفاوض بشكل أقوى، وهو ما يشكل نجاحا بالنسبة لي”.
العربArray