في مركز اللقاء الذي سيعقد في الكرملين في موسكو غدا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستكون مسألة التسوية السياسية المستقبلية في سوريا، بما فيها موضوع هضبة الجولان، الذي لا ينزل عن العناوين الرئيسة في الايام الاخيرة. ومن المتوقع أن يطلب نتنياهو في اللقاء من الرئيس الروسي إلا يمنح مفعولا لمطالبة الرئيس السوري بشار الاسد استعادة هضبة الجولان اليه.
لقد سبقت اللقاء مع بوتين جلسة حكومية خاصة، عقدت في هضبة الجولان في بداية الاسبوع في الذكرى السنوية الاولى لتشكيل الحكومة. وفي الجلسة اعد نتنياهو التربة للقاء مع بوتين حين قال انه «حان الوقت لان تعترف الاسرة الدولية اخيرا في أن الجولان سيبقى في السيادة الإسرائيلية إلى الابد».
«لا أدري إذا كانت ستتحقق تسوية في سوريا تحافظ على مصالحنا في ألا تكون قوات حزب الله وداعش في سوريا»، اضاف نتنياهو في جلسة الحكومة في هضبة الجولان. «لقد نشر مبعوث الامم المتحدة إلى سوريا مسودة تسوية، المادة الاولى فيها هي أن تحكم سوريا الجولان. لمن سنعيده؟ لداعش، لحزب الله ام لإيران؟ هذه سخافة. حان الوقت لان تستوعب الاسرة الدولية الواقع. قصة الجولان انتهت. الجولان سيبقى كله في ايدينا. لم تعد توجد مطالبة كهذه. يجب الاعتراف بان كل سوريا هي جملة من الجيوب من الاقليات المضطهدة. وهذا القول يستهدف رفع رسالة إلى العالم كله وتعويد الاسرة الدولية عليها».
«لقد كانت جلسة الحكومة في هضبة الجولان نجاحا مدويا في نظر نتنياهو»، قال هذا الاسبوع وزير كبير في الحكومة لـ «معاريف همغازين». «حصل نتنياهو على عناوين رئيس في كل العالم وعلى اجماع في إسرائيل. انتبهوا بان حتى المعارضة لم تهاجم الخطوة، ولكن كالمعتاد لم يفهم احد لماذا نحتاج إلى هذه التصريحات التي توقظ الدب من سبات استمر 49 سنة، وكل هذا من اجل اللقاء مع بوتين».
وكما هو متوقع، اثار قول نتنياهو جملة من التنديدات من جانب الاسرة الدولية. وكان اول من ندد هو الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، الذي قال في مداولات خاصة في موضوع إسرائيل في مجلس الامن في الامم المتحدة انه «يذكر قرار مجلس الامن من العام 1981، والذي يقضي بان ضم إسرائيل للجولان لاغياً، وليس ساريا المفعول حسب القانون الدولي». وبعد ذلك قال الناطق بلسان الخارجية الالمانية مارتن شيفر: «هذا مبدأ اساسي للقانون الدولي وفي ميثاق الامم المتحدة في أن ليس لاي دولة الحق في أن تضم ارض لدولة اخرى». ولاحقا قال الناطق بلسان الخارجية الأمريكية جون كيربي ان «سياسة الولايات المتحدة في هذا السياق لم تتغير. مكانة هذه الاراضي يجب أن تتقرر في المفاوضات، والوضع الحالي في سوريا لا يسمح بمثل هذه المفاوضات».
اصابع في العيون
ما يقف في خلفية تصريحات نتنياهو هو الخوف من ان تدرج اعادة هضبة الجولان في التسويات السياسية المستقبلية لاستقرار سوريا. وذلك في ضوء المطالبة الاخيرة التي طرحها الرئيس السوري بشار الاسد في مداولات القوى العظمى حول وقف النار في سوريا، وبموجبها يجب القول ان الجولان هو ارض محتلة من إسرائيل وان في المستقبل ستعود إلى الحكم السوري. يرى نتنياهو في التسوية السياسية مع سوريا تهديدا حقيقيا على هضبة الجولان ويخشى حتى من الاقتراح بان تعطى الارض كتعويض ما للاسد.
في لقائه الاخير مع الرئيس براك اوباما في واشنطن، طلب نتنياهو الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، ولكن اوباما رفض الاستجابة لطلبه. ويثقل تصريح نتنياهو الان على العلاقات العكرة على أي حال بين الاثنين. من جهة من شأن التصريح موضع الخلاف ان يشدد الرغبة المتعاظمة لدى اوباما وادارته للرد على افعال نتنياهو، والتي لم تجبي حتى لان ثمنا سياسيا باهظا من إسرائيل. وبالمقابل، يعرف نتنياهو بان الان، عندما يقترب اوباما من نهاية ولايته، فان هذا هو الوقت لخطوات تقرر الرأي العام في العالم بشأن هضبة الجولان وتعزز الدعم السياسي له في إسرائيل. «نتنياهو ببساطة يبحث عن إيران جديدة»، قال هذا الاسبوع مسؤول كبير في واشنطن. « لا احد يعتزم اعطاء الجولان لداعش او لحزب الله صباح غد، ولكن لدى نتنياهو التهديد هو دوما وجودي. ثمة سبيل للقيام بخطوات سياسية دون زيادة العداء تجاه إسرائيل».
غير ان تصريحات نتنياهو في موضوع هضبة الجولان اثارت العجب حتى في اوساط مسؤولين كبار سابقين في جهاز الامن ممن يدعون بان هذه ليست الاستراتيجية التي يجب أن تتخذ مع روسيا. «عندي تجربة كبيرة مع الروس»، يقول اللواء احتياط غيورا آيلند، رئيس شعبة التخطيط سابقا في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الامن القومي سابقا. «الا نكون شركاء في القرار هو امر يغضبهم. في الماضي دعاني وزير الخارجية سيرجيه لافروف إلى التزام النظام في موضوع معين، وعن حق. فقد قال لي: «اريد ان اكون شريكا في القرار والا اسمع عنه منك بعد أن تقرره». ان سلوك رئيس الوزراء هنا غريب. فاذا لم تنسقوا مع الروس بشأن التصريح، فلماذا تخلقون عداء إذن، واذا نسقتم ـ فلماذا لا تسكتون إذن؟ في هذه الاثناء انتم تغضبون السوريين. كل العالم يعرف عن اللقاء بين بوتين ونتنياهو، والان كل المعارضن والمنددين بالتصريحات سيتوجهون لبوتين كي لا يعطي نتنياهو شيئا في اللقاء».
يقول آيلند انه لا شك ان على هضبة الجولان ان تبقى في يد إسرائيل. ومع ذلك فانه كما يذكر يختلف مع الحكومة الحالية في موضوع الطريقة التي تخرج فيها هذه الخطوة إلى حيز التنفيذ. «التسويات السياسية لا تتخذ في خطوات علنية، ولا سيما دولة صغيرة مثلنا، لان النتيجة ستكون دوما معاكسة. إذا كان نتنياهو يلتقي مع بوتين، فان الطريقة الصحيحة هي التوصل معه إلى تفاهمات في المباحثات لا ان يضعه امام حقيقة ناجزة. آسف على التكتيك واعجب له. برأيي، ايقظنا الدب من سباته. عندما يريد المرء أن يحصل على شيء ما من العالم، فان هذا لن يكون ابدا من خلال تصريحاته. ينبغي دفع أحد ما آخر لأن يصرح. كان ينبغي للبحث ان يكون سريا، وكان يمكن لإسرائيل أن تتوصل إلى تفاهمات روسية وأمريكية بان يكون الجولان جزءا من دولة إسرائيل.
اللواء احتياط عاموس يدلين، رئيس معهد بحوث الامن القومي والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية «امان» يعتقد هو الاخر بان تصريحات نتنياهو كانت خطوة مغلوطة. وهو يقول: «كان لنتنياهو فرصة للحديث مع الأمريكيين على موضوع الجولان. عندما كان الجدال حول الاتفاق النووي مع إيران في ذروته، اقتترحت ان تتوصل إسرائيل إلى اتفاق موازٍ مع الأمريكيين بالتوازي مع الاتفاق الإيراني. اتفاق تكون فيه بالطبع رزمة أمنية، ولكن فضلا عن ذلك تعويض سياسي ايضا، واحد الاقتراحات التي اقترحتها كان موضوع الجولان. ومنذئذ كان واضحا بانه ليس هناك جهة يعاد اليها الجولان. كان يمكن طرح هذا في حينه، ولكن بالطبع هذا لم يحصل. ما يفعله نتنياهو هو ان يضع اصبعيه في عيني كل العالم. هذا يأخذنا إلى الوراء. احد لا يتحدث معنا عن الجولان منذ سنوات عديدة، وبعد هذا التصريح فان الجميع يعارضوننا.
«وقت المال»
اما المستشرق د. مردخاي كيدار فيعتقد بالذات ان خطوة نتنياهو عبقرية. «عندما فهم نتنياهو بان الجولان سيكون العملة التي ستدفع للاسد، شعر بان عليه ان يوقظ الرأي العام المؤيد للتصريح»، يقول. «منذ خمس سنوات تدور رحى حرب أهلية في سوريا، وواضح انه ليس هناك من يعاد اليه الجولان. نتنياهو يفهم بان الان هو وقت المال.
«بالنسبة لبوتين، فهو تكتيك معروف الاعلان عن شيء ما قبل اللقاء من أجل تقييد المتحدث والقول: «بعد أن أعلنت لا يمكنني أن اتراجع لان جمهوري لن يغفر لي»، يضيف د. كيدار. هكذا فان نتنياهو سوغ عمليا قوله. العالم ايضا يهم بان سوريا لم تعد قائمة، وكل محاولات انعاش الاسد كحاكم لن تنجح. وعليه، فلا يوجد ما يدعو إسرائيل لان تدفع ثمن الجولان. سوريا تتفكك، ليس بسببنا، بل لانها منذ البداية لم تكن دولة طبيعية تقوم على اساس شعب. فيها جماعات قبلية، دينية وطائفية لم تصبح ابدا شعبا، وعليه فان الدولة كتنظيم فرضت نفسها وخلقت دكتاتورية. الحدود لم يقررها ابناء سوريا، بل الاستعمار البريطاني والفرنسي، حسب مصالحهما قبل مئة سنة، وعليه فان الدولة ليست مقدسة والحدود ليست مقدسة.
«هذا هو المنطق الذي يقف خلف اقوال نتنياهو»، يضيف د. كيدار. «اذا كنا نترك هضبة الجولان، فهذه بداية الحرب القادمة».
دانا سومبرغ
صحف عبرية