دفعت التحوّلات السياسية والمنعطفات المفاجئة في المشهد السياسي الأخير في العراق إلى تغيير مجمل الأفكار والرؤى المطروحة، بعد أن أعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم 6 يونيو/حزيران المقبل موعدا لإجراء انتخابات مبكرة، وتأكيده أنه سيعمل على إنجاحها وحمايتها، ومطالبته البرلمان بإرسال قانون الانتخابات الجديد إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه.
ويعد إجراء انتخابات مبكرة وتقديم الفاسدين للعدالة ومحاسبة قتلة المتظاهرين من أبرز مطالب الاحتجاجات التي خرجت في بغداد ومدن الوسط والجنوب منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستمرت شهورا وأدت لسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى من المتظاهرين على أيدي قوات الأمن ومسلحين يشتبه في صلاتهم بفصائل مسلحة.
وبعد تحديد موعد للانتخابات، يبرز تساؤل: هل سينبثق عن الاحتجاجات تجمع سياسي ليمثلها في الانتخابات؟
إخماد آمال المتظاهرين
ويُخشى أن يكون الإسراع في إجراء الانتخابات يهدف إلى مصادرة مطالب المتظاهرين، وإنهاء آمالهم بإزالة الفساد ورؤوسه، وإنهاء سلاح الفصائل المسلحة والمليشيات المنفلتة، حسب رأي عضو مجلس النواب العراقي مثنى أمين، وأضاف أن الانتخابات المزمعة ستكون لشغل الشعب وتضليله فقط.
ويرى النائب العراقي أن اليأس والإحباط ما زالا يسيطران على الشارع العام، مؤكدا للجزيرة نت أن الطبقة السياسية المسيطرة على مقاليد الدولة منذ سنوات بنت دولة عميقة داخل الدولة بامتلاكها السلاح والمال الحرام، وهو ما سيمكنها من الفوز في الاقتراع مع تكرار واقع الانتخابات السابقة وبأدواتها الخاصة.
واعتبر أمين أن على المتظاهرين المطالبة بالإبقاء على حكومة الكاظمي لمدة أطول لتحقيق هدف القضاء على الفساد والسيطرة على السلاح المنفلت، وعدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة قد تُسقط مطالبهم وحقوقهم للأبد.
وأضاف أن الذهاب لانتخابات مبكرة من شأنه أن يعيد إنتاج النظام الحالي “خاصة في ظل وجود مفوضية انتخابات غير نزيهة وقانون انتخابي غير عادل وتدهور أوضاع النازحين، مع مصادرة حقوق المتظاهرين وأبرزها إجراء إصلاحات”.
واعتبر أن الانتخابات المقبلة ستكون آخر فرصة قبل أن يتحوّل العراق إلى فوضى واحتراب داخلي لأنها سُوقّت على أنها من مطالب المتظاهرين، وذكر أن ما سيقع هو العكس بالاحتيال عليهم بآليات التزوير السابقة مع غياب أسباب النجاح كقانون صحيح وعادل ومفوضية نزيهة بإجراءات تنفيذية تمنع التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين وإعطاء فرصة للكيانات السياسية لبناء نفسها بالتواصل مع جمهورها.“نريد وطنا”
وانطلقت الاحتجاجات العراقية بالأساس قبل عشرة شهور من أجل تغيير النظام السياسي، وآليات الحكم سواء المتعلقة بالسلطة التشريعية أو التنفيذية، مع تحقيق حلم “نريد وطنا” يشعر العراقيين بأنهم يُحكمون بنظام نابع منهم.
وحسب المعطيات والمؤشرات الموجودة على أرض الواقع، لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا عبر انتخابات نزيهة توصل ممثلي الشعب بطريقة سليمة إلى البرلمان وسدة الحكم لتغيير النظام السياسي، حسب تعليق المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية مهند الجنابي.
ويرى الجنابي أن هذه المسؤولية تقع على عاتق الشعب لا سيما الشباب من خلال تثقيف المواطن لزيادة الوعي الانتخابي، وتشجيعه على اختيار الشخصية الأفضل والكتلة الأحسن.
أكثر من كيان مشارك
وفي رده على سؤال الجزيرة نت حول ما إذا كانت الاحتجاجات الغاضبة تمتلك الأرضية المناسبة ومقومات النجاح لتشكيل تكتل أو تجمع سياسي للمشاركة في الانتخابات، يؤكد الجنابي أنها تمتلك هذه المقومات ولها القدرة على المشاركة فيها، وربما تستطيع تحقيق هدفها الكبير بتغيير نظام الحكم.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن المحاولات المتكررة لاختراق المظاهرات من “المليشيات والفصائل المسلحة وبعض الأطراف السياسية مثل التيار الصدري” كان أكبر تحد لحرفها عن سلميتها وهويتها الوطنية، إلا أن المتظاهرين ثبتوا.
واقترح بأن يكون هناك أكثر من كيان سياسي وكتلة سياسية تمثل الثورة في الانتخابات المقبلة لتصبح منافسا كبيرا لكل القوى التقليدية التي حكمت العراق على مدى 17 عاما، بحيث يكون الشعب أمام هوية جديدة “تمثل ثورة تشرين” وموجودة في كل مكان بالعراق.
وعن احتمال بقاء المظاهرات على سلميتها وعدم انتمائها لأي حزب سياسي إذا وصلت للبرلمان والحكومة، يعلق الناشط في مظاهرات بغداد والصحفي أحمد الياسري قائلا إن المتظاهرين يملكون وعيا ديمقراطيا ووطنيا لا يملكه كبار السياسيين في الدولة.
لقاءات “دراماتيكية”
ويضيف أن المتظاهرين يسعون إلى أن يكون للعراق صداقات عدة في العالم ولا تقتصر على دولة دون أخرى.
وانتقد الياسري رئيس الوزراء العراقي الكاظمي الذي لم يلتق إلا بعدد قليل من المتظاهرين، واصفا تلك اللقاءات بـ”دراماتيكية” لكونها لم تعالج الملفات الملحة التي يركز عليها المحتجون.
ونفى أن تكون حكومة الكاظمي جاءت نتاجا للمظاهرات، بل اعتبرها حكومة جاءت إثر مفاوضات ومناوشات بين أطراف سياسية داخلية ولتحقيق توازنات إقليمية.
نقلا عن الجزيرة