تغطي الثلوج بلدة مضايا السورية ويزداد البرد القارس الذي ينخر العظام، مما فاقم معاناة الآلاف من الأشخاص المعرضين لخطر الموت جوعا هناك بسبب الحصار المستمر الذي يفرضه النظام منذ أكثر من ستة أشهر كما يقول سكان وعمال إغاثة لصحيفة واشنطن بوست.
وتقول الصحيفة إن مضايا تصدرت في وقت سابق من هذا الشهر عناوين وسائل الإعلام عندما سمح اتفاق تدعمه الأمم المتحدة بدخول قوافل مساعدات أمنت بعض الغذاء والدواء لسكان المدينة ذات الموقع الإستراتيجي الواقعة على بعد نحو أربعين كيلومترا إلى الغرب من العاصمة دمشق.
أحد سكان المدينة -ويدعى عبد الله (25 عاما)- يقول لمراسل واشنطن بوست “كنا على حافة الموت جوعا قبل أن تأتي مساعدات الأمم المتحدة هنا، والآن ما زلنا نموت جوعا مع اشتداد البرد أكثر فأكثر”.
وعندما دخل عاملون في المجال الإنساني مع المساعدات إلى البلدة هذا الشهر نقلوا مشاهد مروعة بمن في ذلك نحو أربعمئة شخص كانوا بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة. وقال عبد الله إن معظم هؤلاء لم يتم نقلهم للعلاج، ومن بينهم تسعة أشخاص لقوا حتفهم مؤخرا بفعل النقص الحاد في المواد الغذائية والرعاية الطبية.
وأثار حصار مضايا المزيد من الأسئلة بشأن جهود الإغاثة الإنسانية للأمم المتحدة في الصراع السوري الذي خلف أكثر من 205 آلاف قتيل وشرد الملايين، ويتهم نشطاء المعارضة مسؤولي الأمم المتحدة بالإذعان لنظام الأسد الذي يمنع بشكل متكرر الموافقة على تقديم المساعدات إلى مناطق المعارضة المحاصرة.
وفي بيان شديد اللهجة لمجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي دعا ستيفن أوبراين مساعد الأمين العام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الأطراف المتحاربة في النزاع لرفع الحصار عن المدن والبلدات، وأعرب عن قلقه بشكل خاص على مضايا، مشيرا إلى أنها لا تمثل سوى “غيض من فيض” من حيث مدى المعاناة فيسوريا الناجمة عن الحصار.
وأكد أوبراين أن حكومة بشار الأسد لم ترد على ما يقرب من 75% من طلبات للأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، مشيرا إلى أن الوقت قد حان لتغيير مقاربتهم للوضع.
وهذا التقاعس-كما يصفه المعارضون- أدى إلى اليأس المتزايد في صفوف السكان المحاصرين مع زيادة معاناتهم نتيجة البرد الشديد في هذه الفترة والجوع ونقصان المواد الغذائية والطبية.
أزمة مستفحلة
وفي الوقت الحالي يقول السكان إنه مع تقنين المساعدات الغذائية في الآونة الأخيرة بدأت أسعار السلع الأساسية في الارتفاع مرة أخرى بعد تراجع مؤقت، وبلغ سعر باوندين اثنين من الأرز (تسعمئة غرام) أكثر من مئة دولار، كما أن اللحوم والفواكه والخضروات الطازجة غير متوفرة كما يؤكد سكان المدينة.
وتقول أم عمر -التي تدير جمعية من النساء في المدينة- إن كل النساء في المدينة المحاصرة يعانين من فقر الدم”، مضيفة أن تعقيدات كثيرة يتسبب فيها ذلك للنساء في حالات الولادة في ظل غياب أطباء مختصين.
وقد أثار عدم وجود الكهرباء وتناقص الحطب في هذا الشتاء القارس مخاوف الأهالي، خاصة على صغارهم. وتقول جنان إنها تخاف على صحة ابنها جميل البالغ من العمر 12 عاما، وابنتها راما البالغة من العمر تسع سنوات، فلا يمكن تدفئة البيت بفعل نقص الحطب، كما أن كل واحد منهم يتناول وجبة واحدة في اليوم وهو ما لا يكفي للبقاء، وليس مغذيا بالشكل الكافي.
وتقول جنان إنها تحاول أن تأكل العشب الأخضر للحصول على شيء مثل السلطة، لكنها تخشى أن تسمح لأطفالها بأكله لأنه يمكن أن يكون ضارا بالنسبة لهم.
وقالت ليندا توم -وهي متحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- إنها طلبت مؤخرا إذنا لإجراء التقييم الغذائي في مدينة مضايا، ولكن حكومة الأسد لم تستجب.
وتقول ممثلة منظمة الصحة العالمية في دمشق إليزابيث هوف إن النظام وافق مؤخرا على طلب لإرسال العيادات الطبية المتنقلة لمضايا، لكن السكان يؤكدون أن لا شيء غير رفع الحصار يمكن أن ينهي معاناتهم.
وعلى لسان كل سكان المدينة الذي تعبوا من الجوع والمرض والبرد يقول عبد الله لمراسل واشنطن بوست “أجسادنا هزلت في الوقت الحالي، وأي نوع من المرض يمكن أن يكون قاتلا، نحن بحاجة فقط إلى أن يوضع حد لهذا الوضع وهذا الحصار”.