“أنا بخير الحمدلله، الله أخد أهلي شهداء، الحمدلله، الحمدلله” كلمات رددتها الطفلة نغم بدموع تغسل بقايا الدم على وجهها، حين صحت من ذاك الكابوس الذي لم يفارقها يوماً بعد أن فقدت عائلتها.
و بعد تحرير مدينة إدلب في 28/مارس2015 أحكم جيش الفتح قبضته على مدينة إدلب و ريفها بالكامل، وتمكنوا من محاصرة الآلاف في بلدتي كفريا و الفوعة.
صعدت “نغم” البالغة من العمر 11 عاماً مع أخوتها سيارة والدها بكل فرح لتذهب إلى بيت جدها صباح يوم الجمعة كعادتها، و لكن صاروخ الموت كان الأسبق، تقول نغم : “سمعت صوت الطائرة في السماء و صفير الصاروخ فوقنا، و بعدها لم أسمع شيء”.
فقد شن طيران النظام الحربي 6 غارات بالصواريخ الفراغية، رداً على حصار كفريا و الفوعة، استهدف المدنيين في مناطق متفرقة من مدينة إدلب.
ركض “أحمد” الأخ الأكبر لنغم، وسط الغبار الذي كان يعجُّ المكان، ليرى والديه و إخوته الثلاثة ضحايا ذاك الصاروخ الغادر، بعد أن أصبحت سيارة أبيه قطعة معدنية تشوه شكلها.
بلغ عدد الذين ارتقوا في ذاك اليوم أكثر من 10 شهداء بينهم عائلة كاملة، فضلاً عن عشرات الجرحى، أُسعفوا إلى نقاط طبية قريبة.
كانت نغم من بين الجرحى، حيث أصيبت بساقيها وتم نقلها إلى العيادات الشاملة في مدينة إدلب، بينما والداها أصبحوا في عداد الشهداء، و هي في غيبوبة لا تدري بذلك بعد، و أحضروا أخاها “أنور” بعد ارتقائه لجوار ربه، لتلحقه الأخت الصغرى “جود” بعد ساعة من استشهاد أخيها، كما حدثتنا “رهف” عمة نغم.
ووفق تقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 20/نوفمبر2015 فقد بلغ عدد الأطفال الذين قتلهم نظام الأسد منذ بداية الحراك الشعبي أكثر من 18 ألف طفل.
تكمل العمة رهف : “بعد 8 ساعات من الحادثة استفاقت نغم من غيبوبتها و ملامح وجهها أخفتها الدماء المختلطة بالغبار، و هي تصرخ من ألمها بعدما أجريت لها عمليات في ساقيها، لكن ألمها لم ينسها أن تسألني عن والديها و أخوتها، فامتنعت عن الإجابة، لأن حالة “نغم” بعد أن عجزت عن السير على قدميها ستزداد سوءا بهذا الخبر المفجع”.
ذكر تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن آلاف الأطفال فقدوا حياتهم، وأطرافهم، إلى جانب كل أوجه طفولتهم بالفعل، لقد فقدوا فصولهم الدراسية ومدرسيهم وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم ومنازلهم.
عانت “نغم” كثيراً بفقدانها لأحبتها، فضلاً عن حرمانها من السير على قدميها بسبب إعاقتها، فإلى جانب ألمها الجسدي كان ألمها المعنوي أشد وجعاً، فقد أصابها شيء من الوحدة و العجز، أصبحت ترى عيون أختها التي فقدتها بكل طفلة صغيرة تلقاها، و تشم رائحة أمها بعمتها التي كان لها الدور الأكبر برعايتها و دعمها النفسي.
كما أشار تقرير منظمة (اليونيسيف) إلى أن عدد الأيتام في سوريا بلغ 22 ألف طفل، وذكر أن مليوني طفل بحاجة لشكل ما من الدعم أو العلاج النفسي، في حين أن الصراع أثر على5.5 مليون طفل.
تقول عمة نغم : “إنه من الممكن أن تعود نغم إلى حياتها الطبيعية و تركض على قدميها مع صديقاتها، لكن يحتاج ذلك وقت بالإضافة لمعالجة فيزيائية ستخضع لها”.
كلما بدأت “نغم” بالكلام يجتاح عينيها سيل من الدموع و تتوقف فجأة، وسط حالة من الشرود و نظرات الجمود القاسية التي ارتسمت على وجهها البريء، فقد عادت بها ذاكرتها إلى ذاك المشهد الذي مرت به في حيّها مع أهلها.
تهديد بالفناء، العنوان الأنسب لوصف جزء من معاناة الطفل السوري، فالطفولة البريئة تُقتل اليوم بآلة الحرب دون أن يحرك العالم ساكناً، و “نغم” ليست الوحيدة بل هي مثال واحد من بين آلاف الأطفال الذين تشهد إعاقاتهم على جرائم النظام السوري، الذي قتل في نفسها براءة الطفولة و جمال الحياة في عينيها.
فعلى المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الطفل، النظر لواقعهم والسعي إلى التدخل السريع لمساعدتهم و تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب لهم ووجوب توافر أطباء واختصاصين نفسيين يقدمون ما يحتاجه هؤلاء الأطفال.
المركز الصحفي السوري ـ ظلال سالم