عرفت سوريا على مر العصور بآثارها و تراثها العريق و قلاعها الصامدة التي تروي بحجارتها النفيسة حكاية الأصالة و الرقي جيلا بعد جيل قبل أن تطالها يد الغدر و الإجرام و تشوه معالمها و تدمر تاريخها دون أن تأبه أو تكترث لقيمتها و ما تعنيه لكل سوري يعيش على أرض الوطن.
لطالما درسنا في مناهجنا المدرسية و في كتب التاريخ عن أهم معالم سوريا الأثرية والحضارية عن مملكة ماري و إيبلا و أوغاريت و آثار تدمر و مدرج بصرى و قلعة حلب و غيرها الكثير و الكثير، لكن للأسف نسفت الحرب معظمها لتتحول إلى دمار و ركام، فلم يبق منها سوى بعض الذكريات و كأننا نضحك على أنفسنا و نعلم أجيالنا معنى التراث و الحضارة.
مدينة ” بصرى” الأثرية من المدن العريقة في درعا جنوب سوريا، لم تسلم من حقد براميل نظام الأسد التي ألقيت خلال شهر كانون الأول، و تسببت بدمار أجزاء تتبع للحضارتين الرومانية والإسلامية .
و قامت دائرة آثار بصرى الشام بإجراء تقييم أولي لحجم الأضرار، إذ تعرضت أبراج القلعة الأثرية ومدرجها الروماني لدمار هائل و انهيارات بسبب قصف الطيران المروحي لها، إذ حولتها قوات الأسد قبل تحريرها من رمز للحضارة و العراقة لثكنة عسكرية و مركزا لقناصاتها و مرابض لسلاح الهاون و قواعد لإطلاق الصواريخ و التي أودت بحياة الكثير من المدنيين، فضلا عن قيامها بسرقة محتويات القلعة التاريخية والتي لا تقدر بثمن.
لم تكن مدينة بصرى التاريخية الضحية الوحيدة التي عبث بها فاقدو الضمير والإنسانية، بل سبقتها مدينة تدمر و التي تعتبر من أهم المدن الأثرية في تاريخ سوريا بعد أن استولت عليها قوات تنظيم الدولة الإسلامية، حيث قامت بتدمير العديد من آثارها و كان آخرها تفجير معبد ” بعل شمين ” والذي يرجع تاريخه للقرن الأول الميلادي .
و أوضحت صور تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية اختفاء المعبد بشكل كلي مقارنة مع صورة سابقة التقطت قبل تدميره بفترة، و يرجع السبب وراء تدمير الآثار لاعتقاد تنظيم الدولة أن التماثيل و المعابد تعني وجود إله آخر وهذا يندرج تحت مسمى الوثنية و تدنيس المقدسات و يجب تحطيمها.
و قد أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ” اليونسكو” عمليات التدمير التي قام بها عناصر التنظيم بحق آثار تدمر، فضلا عن قيامها بعمليات سرقة ونهب لبعض الآثار وبيعها في أسواق الآثار، كما أدانت قتل عالم الآثار خالد الأسعد من قبل التنظيم والذي كرس حياته لرعاية آثار تدمر.
لم تستثن الحرب من أعمالها شيئا في سوريا إلا و عبثت به و دمرته بعد أن كان رمزا لأمجاد أجدادنا و حضارتنا و هويتنا السورية، لكن السوريين مصرون على التحرر من ظلم وجبروت الطغاة وإعادة بناء ما دمرته هذه الحرب
سماح خالد
المركز الصحفي السوري