يخطر في الذهن رابطا يبدو لي سببياً بين الكلمات الغنائية التي تختارها ريم السواس وسارة زكريا وفنانات الحفلات الليلية اللاتي يأخذن تراخيص للغناء من نقابة الفنانين التابعة للنظام، وبين رب البيت السوري الذي يدق طبله بألفاظ نابية، وتعميمات شائنة وألفاظ مخجلة لـ 10 ملايين إنسان سوري مهجر عن كنف البيت.
بشار الأسد والثيران المعلوفون
منذ أسابيع قليلة أطلقت ريم السواس أغنيتها الشهيرة ” أكبر غلطة بحياتي.. حبيت واحد واطي”، والتي فيها من التعنيف الذكوري ما فيها، لكنه ليس موضوع المقال، ولن أقف عند تحقيرها للحبيب الرجل، الذي تشاركها بهذا التوجه المغنية سارة زكريا، التي فاقت الأولى فحشا وبذاءة وتعنيفا نسويا للذكور.
لكن الذي أريد لفت الانتباه إليه هو الكلمات النابية والأوصاف القبيحة التي أطلقها رئيس النظام السوري بشار الأسد في خطابه عقب ترأسه سوريا في عام 2021 بمسرحية الانتخابات، وصف الأسد حينها 10 مليون سوري نازح ولاجئ أنهم ” ثيران تُعلف بالعلف”، أمام الكاميرا في خطاب مكتوب ومدروس ألقاء على مسامع الملايين من السوريين، إذن سلوك الألفاظ النابية العلنية الشعبوية تبدأ من رب البيت المفترض به قدوة أدبية في مخاطبة الآخرين واحترام الشعور الجمعي وملاطفة من يعتبرهم رأس النظام مغررا بهم، دون أولئك ” الإرهابيين” على حد وصفه، لكن الأسد أفرغ ما بداخله خطابيا بعد نحو 10 سنوات من الثورة السورية، وبدت كلماته أكثر بذاءة وأكبر تجريحا من تلك التي تغنيها السواس وسارة لكسب بعض الشهرة والمال، لجمهور أظهر رضاه لهذا النوع من الفن، ودليل ذلك، أن سعر بطاقة حفلة السواس وصلت لـ250 ألف ليرة بيعت كلها في حلب.
غازي يمشي على خطى هاني شاكر
مع الحملة التي أطلقها نقيب الفنانين المصريين هاني شاكر منذ سنة أو أكثر ضد مغني المهرجانات المصرية الشعبية ” كـ حمو بيكا وشاكوش وعمر جمال وغيرهم ممن لقوا شهرة واسعة ومشاهدات مليونية، أرغمت شاكر على تخفيف لغة الخطاب معهم والقبول بوجودهم في المجتمع المصري الذي يتفاعل مع مثل هذه المواد، بدا لي أن محسن غازي أراد الاقتداء بشاكر وإنقاذ الوسط الفني مما اعتبره فنا هابطا لم يسمع به ولا يدري من أدخله لسوريا، كما صرح به لجريدة الوطن شبه الرسمية في 26 من آب الحالي.
لكن ردة فعل السواس وسارة زكريا جاءت على غير المتوقع بعد قرار غازي منعهما من الغناء إلا إذا التزمتا بتجنب الألفاظ الخادشة للحياء، فقد أرسلت زكريا في حفلة لها رسالة مبطنة لغازي مليئة بالشتائم بشكل مبالغ فيه، وامتنعت السواس عن القدوم للنقابة في دمشق والتعهد بالالتزام بما يشترطه غازي عليها.
بعيدا عن الخوض في الأوضاع المعيشية في سوريا، فإن تحدي المغنيتين لغازي يبدو وكأنهما على علاقات غير مستبعدة مع ضباط أمنيين سمحوا لهن بالغناء في سوريا، وهو الجواب الذي تساءل عنه غازي عند ذكره أنه يجهل من يسمح لمثل هؤلاء بالقدوم لسوريا والغناء بألفاظ نابية وخادشة للحياء العام، والذي سيجعل من مهمة غازي داخل أقبية المخابرات، كسلفه زهير رمضان.
متابعات بمئات الآلاف رغم الهبوط الفني
تابعت مئات التعليقات على التصريحات والتفاعلات الحاصلة على خبر منع السواس وسارة وعلى متابعات المحبين لهما، وبدا لي أن توجها كبيرا جدا من الناس راض ومحب لأغنية “الوطي” للسواس، التي وصلت لـ4 ملايين و300 ألف مشاهدة على منصة يتوتيوب بعد 3 أسابيع من نشر حفلتها في اللاذقية فيه.
إضافة إلى أن جمهور عريض يطالب غازي الكف عن ملاحقتهما والسخرية منه عندما أظهر جهله بوجود هاتين المغنيتين في سوريا، رغم الأصداء القوية التي حازتا عليهما والمتابعات والإعلانات عن حفلات لهما في مدن سورية عدة، وبهذا ظاهرة الاعجاب بهذا النوع من الغناء أمر مستساغ لدى شريحة عريضة من الناس يسبح غازي عكسها ويريد ضبطها ولكن لن يستطيع خارج الدائرة الأمنية بالتأكيد.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/759196891867664
ختاما الأمر المثير للسخرية السوداء هو تغاضي نقيب الفنانين محسن غازي عن “أغنية كيماوية” بمفرداتها، مثيرة للأشجان بذكرياتها، لوفيق حبيب من كلماتها ” اجرح لي قلبي ولا تداوي، ورش علي كيماوي بس لا تقلي واحبيبي انك عاهجري ناوي”، والتي ترتبط مباشرة بالسلاح الكيماوي التي استعمله النظام السوري بقتل معارضيه من الأطفال والنساء، قد نسمع لاحقا عند تسليط الضوء على هذه الكلمات أن غازي لم يعلم بها! او ربما ينتقدها كما تنتقد أجهزة النظام الاتهامات لهم بالضلوع وراء استخدام الكيماوي في قتل الأطفال والمدنيين في سوريا.
مقال رأي فني/ محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع