تُستأنف، اليوم الإثنين، محادثات جنيف بين فريق الأمم المتحدة والأطراف السورية، على وقع محاولات وفد النظام إدخال المحادثات بمرحلة من الجمود حتى إجراء الانتخابات البرلمانية التي حددها الشهر المقبل، من دون تقديم إجابات عن أسئلة أساسية حول الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي. مقابل ذلك، كانت المعارضة تتجاوب مع مطالب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ساعية لتقديم رؤية شاملة للحل والانتقال السياسي في سورية.
ومنح دي ميستورا الوفدين إجازة لمدة يومين (أمس الأول السبت وأمس الأحد)، للإجابة عن هذه الأسئلة وتقديمها، وسيكثّف دي ميستورا لقاءاته مع الوفود السورية حتى يوم الخميس المقبل، وسيلتقي بأعضاء مؤتمري القاهرة وموسكو وما بات يُعرف بلقاء قاعدة حميميم، بعد تأكيد المبعوث الأممي لوسائل الإعلام أن الأيام الأخيرة من هذه الجولة ستكون حاسمة.
وكان دي ميستورا قدّم أسئلة وصفها بـ”الوظيفية اليومية” (HOME WORK)، تتضمن 29 سؤالاً لوفدي المعارضة السورية والنظام للإجابة عليها، للحصول على توضيحات للنقاط الغامضة في القرار 2254، وفق ما تكشف مصادر لـ”العربي الجديد”.
وتضيف المصادر أن أسئلة المبعوث الدولي تُركّز على ما هو مفهوم “الحكم” لدى كل طرف وكيفية تطبيق هذا الحكم في سورية لتحقيق الانتقال السياسي. كما سأل دي ميستورا عن حقوق من سماهم “الجماعات”، ويقصد بها الأقليات في سورية، وكيفية المحافظة على حقوقها وحمايتها. وتذكر الأسئلة ما هو مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، ودور المرأة في مستقبل سورية.
وتقول مصادر من المعارضة السورية في جنيف لـ”العربي الجديد”، إن أعضاء بعثة الهيئة العليا للمفاوضات والوفد المفاوض في جنيف، عكفوا منذ يوم أول من أمس السبت، على دراسة رؤية الحل السياسي في سورية والتي قدّمها دي ميستورا للوفد لدراستها وتقديم رؤيته عنها، والمفترض أن تُقدّم اليوم خلال جلسات التفاوض. وتوضح المصادر أن المعارضة شكّلت السبت أربع لجان لدراسة الأسئلة المقدّمة من دي ميستورا والإجابة عليها، على أن يتم بعد ذلك نقاش هذه الأسئلة والإجابات في اجتماع لوفد أعضاء الهيئة والوفد المفاوض لإقرارها صباح اليوم قبل اللقاء مع دي ميستورا.
ويكشف المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهيئة العليا للمفاوضات أنجزت تصوّرها حول آلية الانتقال السياسي الممثلة بتشكيل هيئة حكم انتقالية، ماهيتها ومهامها وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى في إطار رؤية تستند إلى القرار 2254. ويشير إلى أن الهيئة والوفد تعاملا بكل إيجابية ومسؤولية مع التساؤلات المطروحة من قِبل المبعوث الأممي، لافتاً في المقابل إلى أن النظام ما يزال حتى الآن غير جاد في الدخول في عملية الانتقال السياسي ويتهرّب من تقديم أي تصور لهيئة الحكم الانتقالية أو حتى مناقشتها.
ويعتمد النظام استراتيجية جديدة بعد النكسات التي تلقاها خلال هذه الجولة من المحادثات، وترتكز سياسته على المواربة لكسب الوقت، ولم يقدّم حتى الآن سوى ورقة تتضمن ثماني نقاط، لا تجيب عن الانتقال السياسي ولا تذكر هيئة الحكم الانتقالي التي تضمنها القرار 2254 وبيان جنيف.
وتكشف مصادر لـ”العربي الجديد”، عن أن النظام طلب تأجيل موعد الجولة المقبلة من المحادثات إلى 14 أبريل/ نيسان المقبل، أي إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية التي يُحضّر لها وحدد يوم 13 أبريل/ نيسان موعداً لإجرائها، مبرراً ذلك بأن هناك خمسة أشخاص من وفد النظام مرشحين للانتخابات. وكان دي ميستورا قد أعلن عن جدول مؤلف من ثلاث جولات تفصل بينها استراحة لمدة 10 أيام، ومن المقرر أن تنتهي هذه الجولة في 24 الحالي، على أن تبدأ الجولة الجديدة في الخامس من الشهر المقبل. ويقصد النظام من إجراء الانتخابات البرلمانية، محاولة كسب شرعية جديدة وفرض أمر واقع للحصول على ورقة جديدة يفاوض عليها في جنيف.
وفي السياق نفسه، أكد كبير مفاوضي وفد المعارضة في جنيف، محمد علوش، في حديث لـ”الأناضول”، أن “وفد المعارضة كان متجاوباً ومتفاعلاً بشكل كبير لإيجاد حل عادل يحقن دماء السوريين، ويحقق الهدف الذي خرجت الثورة من أجله، مع المحافظة على مبادئها وأهدافها”، موضحاً “أننا قدمنا تصورنا بشكل مكتوب وخطي، على شكل وثائق وجدول عمل، وتصوّرنا حيال تنفيذ القرارات الأممية، للوصول إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تدير البلاد سواء بالسلطات الرئاسية والبرلمانية، حتى يكون لدينا تحقيق عملية انتقال حقيقي للسلطة”.
وأعلن علوش أن “الحل بالنسبة للمعارضة هو إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تدير شؤون البلاد، وتنشئ دستوراً جديداً، تتبعها عملية انتقال للسلطة”.ويصف مصدر مقرّب من المعارضة السورية، الانتخابات التي يستعد لها النظام بـ”المسرحية”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن النظام يحاول إقناع مؤيديه بأنه ما زال يملك السلطة في سورية، بعد أن أصبح مجرد مليشيا تابعة للإدارة الروسية بشكل كامل، مستشهداً على ذلك بقيام ضباط روس بالمفاوضات مع سكان حي برزة. ويشدد على أن تلك الانتخابات غير شرعية ومخالفة للقرارات الدولية، مشيراً إلى أن اجتماع وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يوم الأربعاء المقبل، سيكون حاسماً وسيحدد ما إذا كانت هذه الانتخابات ستجري أم لا.
ولفت إلى أن “النظام لا يريد حلاً في سورية”، مشيراً إلى أن الأخير “قدّم ورقة كأنه يقول فيها إنه لا يريد تطبيق الحلول التي تؤدي لما يرغب به الشعب، وأدخل نقاطاً ليست ضمن إطار التفاوض”. واعتبر أن “النظام عندما يرسل وزارة الخارجية وموظفيه، فهذا دليل على أنه لا يريد الحل، بل يريد كسب الوقت لإعادة ترتيب صفوفه وأوراقه”، موضحاً أن “وزارة الخارجية لا تملك قراراً في سورية. إنهم موظفون معتمدون، ولو كان النظام يريد حلاً لأرسل ضباطه الأمنيين الكبار”.
العربي الجديد