يرى مراقبون أن “مجلس التعاون الاستراتيجي” بين تركيا والسعودية يمثل خطوة في تصاعد وتيرة التعاون والتوافق بين البلدين، في عدة قضايا إقليمية أهمها الحرب الدائرة على الأرض السورية.
يجسد إنشاء “مجلس تعاون استراتيجي” بين السعودية وتركيا التقاء رؤية البلدين لكثير من الملفات الساخنة في المنطقة، بعد عام من التقارب في مواجهة المحور الروسي الإيراني السوري.
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد أعلن عن تشكيل المجلس في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بالعاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الماضي.
وعقد المؤتمر على هامش استقبال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي زار الرياض للمرة الثالثة في العام 2015، في مؤشر على اهتمام تركيا بتطوير علاقاتها بالمملكة.
واحتل الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون مكانة لافتة في تغطيات الصحف التركية وأعمدة كتابها، وتغريدات السياسيين ورجال الاقتصاد، الذين اعتبروا المجلس نواة لقوة إقليمية تنطلق مقدراتها من الطاقة لصناعة التوازن في القضايا الاستراتيجية على مستوى الإقليم والعالم.
ووفقا لوسائل الإعلام التركية فإن البلدين قطعا شوطا طويلا من التنسيق والتعاون في توحيد المواقف على مستوى السياسات الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية.
خط الدفاع
وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم ياسين أقطاي -في حديثه للجزيرة نت- إن تعاون بلاده مع السعودية سيثمر عن بناء “خط دفاعي” في مواجهة الحلف الروسي الإيراني، الذي يناكف البلدين في سوريا ويهدد أمن المنطقة وسلامها، وفق تعبيره.
وأوضح أقطاي -وهو نائب بالبرلمان التركي- أن المصالح المشتركة بين تركيا والسعودية والنهج المتقارب بينهما بشأن المنطقة يوجب تعاونهما في كل القضايا، مبينا أن مهام مجلس التعاون المشترك لن تنحصر بالبعد الدفاعي، بل ستتجاوزه إلى قضايا الاقتصاد والتنمية والاستثمار خاصة في مجال الطاقة.
وبرأي المسؤول التركي فإن توحد قوى البلدين سيغير التوازن في المنطقة والعالم، مضيفا أن هذه الموازين المتغيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري ستوجه رسائل للأطراف المعنية بالملفات المختلفة.
وتوقع أقطاي أن تنعكس نتائج التعاون التركي السعودي على الملف السوري، ولا سيما في مؤتمر الرياض ولقاءات جنيف، مشيرا إلى أن هذا التعاون سيعزز رؤية سوريا من دون الرئيس السوري بشار الأسد.
ويتفق الموقفان التركي والسعودي على الوصول إلى حل سياسي أو عسكري لا مكان فيه للأسد أو إيران في سوريا، وعلى التوصل إلى “تسوية عادلة للقضية الفلسطينية”، كما يتفقان على ضرورة مواجهة “الإرهاب” وإنهاء تمرد الحوثيين في اليمن.
وتتطلع تركيا إلى السعودية كشريك اقتصادي هام قد يعوضها عن فقدان مصادر الطاقة التي تلوح بها موسكو في وجه أنقرة، عقابا على إسقاطها للطائرة قرب الحدود التركية السورية.
الطاقة
ووفقا لوسائل إعلام تركية، فإن نمو علاقات أنقرة بالرياض التي بدأت عام 1929 هو مصلحة مشتركة للبلدين، خاصة بعد توتر العلاقات التركية الروسية عقب إسقاط الأتراك لطائرة سوخوي24 الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي ظل استمرار الدعم الإيراني للحوثيين الذين تقاتلهم السعودية في اليمن.
وعن ارتباط تنامي علاقات أنقرة والرياض بتوتر علاقتها مع موسكو، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية بمركز ستا التركي للدراسات أردال كاراغول، إن الأزمة الأخيرة بين تركيا وروسيا دفعت تركيا للبحث عن البدائل لدى الدول المنتجة للطاقة.
وأضاف كاراغول -للجزيرة نت- أن زيارة أردوغان لقطر والسعودية وتركمانستان، وزيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لأذربيجان تعبر عن اهتمام بلاده بملف الطاقة.
وأوضح أن احتياطي البترول والغاز العالمي في السعودية يجعلها من البلدان التي تستطيع أن تساهم بسد احتياجات تركيا من الطاقة، مبينا أن وضع الطاقة في بؤرة التعاون بين البلدين سيجعل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها سهلة.
أما عن مصلحة السعودية في التقارب مع تركيا، فقال كاراغول إن انخفاض أسعار النفط جعل الرياض تتطلع للاستثمار في مجالات أخرى كالعقار والبناء الذي تملك الشركات التركية خبرة عالمية واسعة فيه.
كما أشار إلى سهولة استقطاب المستثمرين السعوديين لتركيا في ظل التعاون بين البلدين مما سيساهم في تحقيق أهداف استراتيجية كبيرة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا نحو ستة مليارات دولار، فيما تنشط 480 شركة استثمارية سعودية بتركيا.
المصدر : الجزيرة