الشيخة موزا مصدر إلهام ونموذج يحتذى للمرأة في العالم
كل وسائل “الانتقام” متاحة في السجون السورية وتمارس ضد المعتقلين
المسجون السوري لا يعامل كمتهم يحاسب على جريمته وإنما كعدو للدولة
ما زلت أحلم بقرب تحرير دمشق والتخلص من نظام القتل والإجرام
وُضعنا في سجن المَزة العسكري وعددنا 20 سيدة وفي زنزانة “مترين × مترين”
أصررتُ على إكمال مسيرتي ونضالي السلمي داخل السجون “دون خوف”
نظمتُ ورش عمل للسجينات لتعليمهن مبادئ المواطنة وبناء السلام
الجهل وقلة الوعي بيننا أهم أسباب عدم انتصار الثورة السورية
قناعتي بأن صوت الفكر والكلمة أقوى بكثير من صوت الرصاص
اكتشفتُ أن النظام يخاف من الناشطين المدنيين أكثر من العسكريين
الناشطة السورية السيدة مجد شربجي منحت جائزة أشجع امرأة دولية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2015 لعملها مع النساء والدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا، وقامت عقيلة الرئيس الأمريكي ميشيل أوباما بتكريمها في 8 مارس 2015، كما قامت منظمة أوكسفام في عام 2016 بمنحها جائزة تصحيح الأخطاء، التي تمنحها المنظمة كل سنتين لثلاث سيدات من العالم، وتم تكريمها أيضًا في واشنطن في 7 مارس 2016 بسبب مواقفها وتفانيها في الدفاع عن حقوق النساء.
اعتقلت في آواخر عام 2012 لمشاركتها في مظاهرات واعتصامات سلمية، تطالب بالحرية للشعب السوري، ومكثت في السجن 7 أشهر، واعتقل زوجها وعذب أمامها حتى مات من شدة التعذيب، ثم أفرج عنها بعد قصف النظام للغوطة بالكيماوي، ورفضت الخروج من سوريا حتى تواصل مسيرة نضالها لإسقاط النظام، لكن وصلتها تهديدات بالاعتقال مرة ثانية، فخرجت إلى لبنان كأقرب مكان لسوريا حتى تستطيع أن تكمل مسيرتها النضالية، وقامت بتأسيس مؤسسة “بصمات” للخدمات الإنسانية كي تكون منطلقا لدعم ومساعدة السيدات السوريات.
“الشرق” التقتها وحاورتها حيث أشادت بدور صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر واعتبرت أن النموذج الذي قدمته سموها في قطر مصدر إلهام ليس للمرأة القطرية فحسب، وإنما للمرأة بشكل عام وتحديداً السورية وأنها تحاول أن تستلهم منه تعزيز دور المرأة السورية، التي عاشت وتعيش مأساة حقيقية. وروت شربجي تجربتها القاسية في السجون السورية. وتحدثت عن هدفها الرئيسي وهو إسقاط النظام، وكيفية بلوغ هذا الأمر، وشددت على انتهاجها للسلمية مهما كلفها هذا الأمر من تضحيات.
وإلى نص الحوار..
هل لكِ أن تصفي لنا وضع السجون السورية من خلال تجربة اعتقالكِ في سجون النظام؟
بكل صراحة لستُ في حاجة لوصف السجون السورية، فالكل يعرف حقيقتها، وطبيعتها، ويعلم ما يجري داخلها من صنوف التعذيب والقتل وتمزيق الأجساد، ولن أكون مبالغة اذا ما قلتُ إن أسوأ السجون في العالم هي السجون السورية، فالمسجون داخلها لا يعامل من قبَل سجّانيه على أنه مواطن أذنب ذنبا ويعاقب عليه، وإنما يعامل بصفته عدوا للدولة، ولمن سجنه، وبالتالي فكل وسائل الانتقام متاحة، وكل أساليب التعذيب والإجرام تمارس ضد المسجونين.
لقد اعتُقلت في أواخر عام 2012 إثر مشاركتي في مظاهرات واعتصامات سلمية، تطالب بالحرية للشعب السوري، وكنا قد نظمنا الكثير من هذه الاعتصامات والتظاهرات السلمية، لأنني مصرة جدا على أن تكون جميع وسائل معارضتنا للنظام سلمية، وركزنا على شريحة من النساء وشجعناهن على الخروج والتظاهر السلمي، إلى أن ألقي القبض عليّ، ومكثت في السجن 7 أشهر، تم تعذيبي أثناء هذه الفترة بشتى أنواع التعذيب، وتم ضربي بقسوة شديدة، وتعليقي من يدي، وخلعوا حجابي أكثر من مرة، وتعرضت لإهانات لفظية ومعنوية أمام زوجي عبد الرحمن كمون، الذي حضر للسؤال عني، بعد ساعتين من القبض عليّ، فقبضوا عليه وعذبوه أمامي، حتى مات من شدة التعذيب، بتاريخ 28\1\2014، وترك خلفه ثلاثة أطفال بدون أب أو أم، فأنا مسجونة، وهو قد استشهد.
ثم نقلوني إلى سجن المَزة العسكري، وهناك الوضع كان سيئا للغاية، وهناك تم وضعنا في زنازين ضيقة جداً “مترين × مترين” وعددنا يزيد على الـ20 معتقلة، ولا توجد دورة مياه، ولا نوافذ للتنفس، وهناك فتيات تأتيها العادة الشهرية، ولا يعطوننا ما نستطيع تنظيف الدماء به، بل الأهم من ذلك أن هذا الأمر يُحدث تلوثا في المكان كما هو معروف، ومع ذلك لا نجد أي استجابة من السجانين، وقد بقيت لمدة ثلاثة أشهر كي أستطيع أن أستحمّ وأنا سيدة، بينما هناك شباب يبقون بالعام والعامين لا ينزل الماء على أجسادهم، وبصراحة شديدة فإن العقل البشري لا يستطيع أن يصف ما يحدث داخل السجون السورية من شتى صنوف التعذيب.
آثار السجن
هل ترك السجن فيكِ انطباعات عدوانية تجاه النظام؟
على العكس من ذلك تماما، فقد دخلت السجن سلمية، وخرجت منه أكثر إصرارا على السلمية، ومواصلة المسيرة بها، برغم أن هناك الكثير من المعتقلين دخلوا السجون سلميين، وخرجوا يحملون السلاح لما وجدوه من معاملة غير آدمية من النظام، ولقد كنت أشفق على سجاني، ولا أحقد عليهم، وأعتبرهم ضحية النظام، حتى لا يتسلل اليأس إليّ، باعتبار فترة السجن هي بمثابة اختبار لي إما ان أنجح فيه أو أفشل، وأعتقد أنني نجحت في تمسكي بالسلمية، لان قناعتي التي لن تتزحزح بان صوت الفكر والكلمة أقوى بكثير من صوت الرصاص، وهذا ما يرعب ويخيف النظام أكثر من البنادق والسلاح.
معنى ذلك أن النظام السوري يخشى العمل السلمي والمدني أكثر من العمل العسكري؟
بكل تأكيد فقد اكتشفتُ كم كان النظام يخاف من الناشطين المدنيين أكثر من العسكريين، خاصة أنني كنت من داريا، وكان ناشطو وناشطات داريا المدنيون السلميون، هم من فجّر الثورة فيها، وحرّضوا الشعب على التحرك ضد النظام المستبد لإسقاطه، سعياً نحو دولة مدنية ديمقراطية.

محنة الإفراج
كيف تم الإفراج عنكِ؟
لقد أصررتُ على إكمال مسيرتي ونضالي السلمي داخل السجون، فقمت بتنظيم ورش عمل “دون خوف” بين السجينات لتعليمهن مبادئ المواطنة وبناء السلام. وأقنعت 150 معتقلة على الإضراب عن الطعام لإجبار النظام على تقديم قضاياهم إلى القاضي، الأمر الذي أجبر النظام السوري في نهاية المطاف على عرض عدد كبير منهن على محكمة الإرهاب في دمشق، حيث تم الإفراج عن 83 معتقلة.
ثم بعدها تم الإفراج عني مع 22 معتقلة بصفقة تبادل أسرى وقعوا في أيدي الثوار في يوليو 2013، وبقيت بعد الإفراج عني لمدة شهرين في دمشق ولم أستطع الدخول إلى مدينتي داريا بسبب الحصار، مما اضطرني للخروج إلى لبنان عبر الجبال، بسبب تعرضي للمراقبة الأمنية الشديدة من قبل المخابرات السورية، ولأن الحكومة السورية لم تسمح لي بالخروج بشكل طبيعي أنا وأولادي، وخلال إقامتي في دمشق كنت أحلم بقرب تحرير دمشق والتخلص من نظام القتل والإجرام.
هل تزامن الإفراج عنكِ بظروف خاصة؟
لقد أفرجوا عني بعد ارتكاب النظام جريمة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والتي قصفت فيها عصابات بشار الأسد المنطقة بالسلاح الكيماوي، وراح ضحية هذه الجريمة أكثر من 1500 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، قتلوا في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وبتخاذل أمريكي دولي، الأمر الذي نجم عنه صدمة قاسية وخيبة أمل مريرة في الشارع السوري، حينما اتضح حجم التخاذل من قبل المجتمع الدولي بسكوته على هذه الجريمة النكراء، بعدها تم الافراج عني مع مجموعة من المعتقلات كما ذكرت، وهذا ما شجعني على مواصلة النضال حتى إسقاط الأسد، وجعلني لا أفقد بوصلتي رغم كل التخاذل الدولي وعوامل اليأس ومحاولات تمييع القضية السورية بمعارك مصطنعة واختزالها بقصة الحرب على الإرهاب وتنظيم “داعش”.
قضية المعتقلين
هل تعتبرين قضية المعتقلين أبرز التحديات التي تواجه الثورة السورية؟
بالفعل فقضية المعتقلين في سجون بشار الأسد تمثل أكبر التحديات التي تواجه الثورة السورية، وما تواجهه المرأة السورية من انتهاكات خطيرة منذ بدء الكارثة التي تعصف بالبلاد قبل خمس سنوات، والظروف القاسية التي تتعرض لها داخل الأفرع الأمنية والمعتقلات من عمليات تعذيب وعنف جسدي ونفسي وجرائم ترتكبها قوات النظام السوري بحق النساء السوريات، ترتقي لمستوى جرائم الحرب.
ما منطلقكِ في القيام بعمل النشاطات السياسية والاجتماعية والتربوية بين السيدات السوريات؟
عندما دخلت المعتقل، وتعاملت مع السيدات السوريات، شعرت بأن هناك قلة وعي وجهلا كبيرا جدا بينهن، وبدأت أتأكد ان هذا الأمر هو ضمن الأسباب التي لم تنتصر الثورة السورية بسببها، وليس عدم التدخل الأمريكي أو الغربي، كما شعرت بأن الدرب طويل، وان الثورة لديها الكثير كي تنتصر، وكما ظل النظام طيلة الخمسين سنة يقمع الشعب ويغيبه، فبالتالي نحتاج لمثلها من الوعي والتفكير حتى نستطيع أن ننهض ونستمر، لذا فقد قررت أن أعمل على توعية النساء، وعلى كل المواضيع السياسية والمدنية والتوعوية، التي تستطيع من خلالها المرأة السورية أن تعرف مطالب الثورة، لانه للاسف الشديد الكثير من نسائنا يظنون أن هذه الثورة مجردة من المطالب، وانها خرجت لتقليد الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا، ولا يعرفون أن مطالب الثورة هي تحقيق دولة القانون والعدالة وسيادة الشعب.
الشيخة موزا مصدر إلهام
ممن استلهمتِ تجربتكِ وخبرتكِ في العمل الإنساني والنسوي؟
باعتقادي أن النموذج الذي قدمته سمو الشيخة موزا في قطر مصدر إلهام ليس للمرأة القطرية فقط، وإنما للمرأة بشكل عام وتحديداً السورية، ونحن نحاول من خلاله أن نستلهم منه تعزيز دور المرأة السورية، التي عاشت وتعيش مأساة حقيقية، وأضحت هي المعيل للأسرة بعد أن فقدنا في سوريا وفق التقديرات أكثر من نصف مليون شاب، بالإضافة لوجود أكثر من مليون معوق، وهو ما دفع بالمرأة السورية إلى تسيّد مشهد كفالة الأسرة والقيام عليها بكل ما تحتاجه الأسرة من احتياجات، وهذا جهد ثقيل على الرجال فضلاً عن النساء..
نحن في سوريا لن ننسى الدور القطري الذي وقف مع الحقوق العربية والإسلامية منذ اليوم الأول، ونتطلع إلى مزيد من الدور القطري وتحديداً دور سمو الشيخة موزا في مجال المرأة السورية، فإنقاذ هذه المرأة هو إنقاذ لعائلات ولمجتمع بأكمله.
هل لديكم مشاريع محددة لخدمة المرأة السورية؟
نعم لدينا في مؤسسة “بصمات” كثير من الأفكار والمشاريع التي باعتقادنا تخدم المرأة السورية حقيقة، وتُفعّل دورها بشكل حقيقي وفاعل على الأرض، وليس باستخدامها أكسسوارات في مؤتمرات دولية وأمام شاشات التلفزة، وباعتقادي فإن شخصيات مؤثرة وفاعلة في هذا الصدد مثل سمو الشيخة موزا قادرة على أن تكون مصدر دعم ومساندة مادية ومعنوية للمرأة السورية، شريطة أن يكون هذا الدعم ضمن أطر تخدم، واقعاً وعملاً، المرأة السورية، وهذا يكفله الوجود الفعلي لهذه المرأة على الأرض كما ذكرت من قبل وليس على شاشات التلفزة والمؤتمرات العالمية التي في غالبها منبتة ومقطوعة الجذور مع معاناة المرأة في الداخل.
ما أبرز المشاريع التي تقومون بها في مؤسسة “بصمات”؟
المؤسسة تعمل مباشرة مع اللاجئين السوريين في لبنان منذ عام 2014 بواسطة عدد من المتطوعين وناشطي المجتمع المدني وتقدم الخدمات الاجتماعية الأفضل للنساء والأطفال في الداخل السوري، وقد افتتحت مدرسةً للسوريين “مدرسة العالم الصغير” التي تستوعب 1000 طالب سوري ومركزا نسائيا للنساء في البقاع اللبناني، بالإضافة إلى افتتاح مراكز للنساء في الداخل السوري المحرر، تعمل جميعها على تمكين النساء من خلال دورات حياكة الصوف والتمريض والخياطة والكمبيوتر وتعليم اللغات، بالإضافة إلى الدعم النفسي لإعادة تأهيل الأطفال والنساء.
كما نعمل على دعم المرأة السورية من أجل انخراطها في مشاريع تنموية وتعليمية وزراعية وفي صناعة الخبز لتوفير احتياجاتها الاقتصادية والمالية، كذلك نعمل على تعليم الأطفال السوريين وتمكين النساء السوريات، 70 % منهن فقدن أزواجهن وأصبحن دون معيل، من الاعتماد على أنفسهن والإنفاق على أولادهن.
هل هناك قصور في نظرة المعارضة السورية لدور المرأة في الثورة؟
للأسف الشديد كل التشكيلات السياسية للمعارضة السورية، من المجلس الوطني، إلى الائتلاف، إلى الحكومة المؤقتة، كلها لم تمنح المرأة حقها، ونسبة تمثيل المرأة فيها ضعيفة جداً وغير كافية، ولو انتقلنا إلى المجالس المحلية لوجدنا أنها جميعها تخلو من تمثيل النساء، رغم أن المرأة كانت شريكاً أساسياً وفعالاً في جميع مراحل الثورة.
هل لديكم احصائية وافية عن عدد المعتقلات في سجون النظام؟
يقدّر عدد المعتقلين في عموم سوريا منذ بدء الثورة بأكثر من 200 ألف مواطن سوري، وهناك أكثر من 6050 حالة وفاة للمعتقلين في عموم سوريا، نتيجة المرض أو الجوع أو التعذيب في مراكز الاعتقال، على رأسها الأفرع الأمنية التابعة: لشعبة المخابرات العسكرية، جهاز المخابرات الجوية، وجهاز أمن الدولة “إدارة المخابرات العامة”، والأمن السياسي، ومن بين الضحايا الذي قضوا تحت التعذيب 108 أطفال تحت سن الثامنة عشرة.
كلاجئين سوريين في لبنان.. هل تتعرضون لمضايقات من حزب الله الذي يشارك في الحرب مع النظام السوري؟
نحن كلاجئين سوريين في لبنان نعيش وضعا سيئا جداً، على صعيد التضييق والاتجار بنا، واستغلال نسائنا، وتعرضنا للقتل في أي لحظة، ونحن كنشطاء لا توجد لدينا أي وسيلة للحماية، ومن السهل جدا ان نختطف ونسلم للنظام السوري.
هل سبق أن اختُطف أحدكم وسُلم للنظام السوري؟
نعم فقد رصدنا أكثر من حالة تم اختطافها وتسليمها للنظام السوري، وهناك ثلاثة طلاب عمرهم اقل من 18 سنة يدرسون في لبنان، تم اختطافهم وتسليمهم للنظام السوري.
أجرى الحوار – عبدالحميد قطب:
بوابة الشرق الالكترونية