د. خالد حسن هنداوي- الشرق القطرية
إن من أهم المبادئ السلمية والحربية التي يجب أن يتربى عليها الإنسان منذ صغره ويتنشأ على تعلمها مبادئ الإصلاح وفض المنازعات واتباع طريق السلم والمصالحة ما استطاع إلى ذلك سبيلا لأنه يأخذ بما قال تعالى: (و الصلح خير..) النساء: 128. حيث إنه سبحانه عليم بما قد يجري بين الناس من اختلافات بل واشتباكات. حتى بين المؤمنين لأن هذا في طبيعة الإنسان ما لم يهذب نفسه ويستقبل أحكام الشرع بالقبول ولذلك لم ينف الله عن مثل هؤلاء صفة الإيمان (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)الحجرات: 9. وحتى إن العرب قبل بعثة نبي الإسلام اتفقوا على حلف الفضول لينصروا المظلوم من الظالم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها: ” شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا (حلف الفضول) ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت” وقد كان قائل المثل عند العرب يعلن: إن المحن تذهب بالإحن – أي تنسي المصائب والدواهي على حد ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: إن المصيبات يجمعن المصابينا. وكان هناك من الحكماء والعقلاء والقضاة من يتسم بهذه السمات فهاهو عبدالقادر الجيلاني – رحمه الله – يقوم بذلك عمليا ويجمع النازحين من الحروب الصليبية وحروب التتار فينشئ لهم بيوتا للتعليم وساحات للتدريب الجديد على القتال ثم يعيدهم إلى سوح الوغى ويختار منهم من يصلح للسياسة والتدبير فيمرسهم ليستعملوا تجاربهم في الكوارث والكروب بين الناس. كل ذلك لئلا يشذ أحد عن الجماعة وليبقوا صفا واحدا أمام الأعداء وخصوم الإسلام تطبيقا لتوجيه الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فيما خرجه عنه الإمام أحمد في المسند (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) بحيث تقبل الأطراف بالصلح ورأي الشرع المستند إلى العقل لا إلى العصبية والقبيلة والحزبية والفصائلية فالعقل أصل الشرع كما قال ابن الجوزي – رحمه الله – في صيد الخاطر. فهذه أولويات لا ينبغي القفز عليها وإنما يجب التعالي عن الجراح في سبيل المصلحة العامة والعليا وحيثما كانت المصلحة المعتبرة فثم شرع الله كما قال الإمام الشاطبي – رحمه الله – وعندها يفضل العفو على الثأر حفظا للمقاصد كما عفا الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة عن كفارها وكما عفا صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله – عن قتلة كبار ليحبط مكر الأعداء.
وقد علمنا الإسلام أن مثل صفحات المناكفات والخلافات السوداء التي لا يفيد منها إلا العدو المتربص تطوى ولا تروى ويستفاد منها للترتيب والتنظيم والقبول بالعهود والمواثيق التي فيها السلم والصلح بين الإخوة الذين يجب أن لا يختلفوا في القلوب وإن اختلفوا في الألسن والجوارح على حد قول الشاعر التركي نجيب فاضل – رحمه الله – (أريد تجمعا بالقلوب لا تجمعا بالأكتاف والمناكب) وعلى هذا: فينبغي على فصائل الثورة أيا كانت في سورية وغيرها أن تتعاون وتتغافر وتقبل بالمحاكم الشرعية دون أي بطء. وإننا بغض النظر عما قيل من بيانات من قبل جبهة النصرة في حق حركة حزم وما قيل عن هذه بحق النصرة ندعو المجلس الإسلامي السوري للعلماء والروابط الشرعية وفق الشرع – والوضع الإنساني المعتبر والتمسك بروح النصوص لا بمجرد أجسامها دون مراعاة الواقع أن يبادر- كما كان يفعل عبدالقادر الجيلاني – رحمه الله-. وإننا نشد على كل متحرك متحرق لوأد الفتنة التي يسعى اللانظام إلى زرعها بين الفصائل لينشغلوا عن قتاله بأنفسهم.
ولا بد في سبيل ذلك من الصبر والمصابرة والاصطبار الذي هو أعلى درجات الصبر فإن الملل ليس من صفات المجتهدين المخلصين والعفو من شيم الكرام إن لم يكن قصاص أو جرى عفو (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى: 40. ونحن لا نريد هنا أن نذكر الأسماء المختطفة – رحمهم الله – ومن صفى أو من لم يصف بل نريد أن نقول: يجب أن نكون مع الحق وإن كان صاحبه بعيدا بغيضا وأن لا نكون مع الباطل وإن كان صاحبه قريبا حبيبا) كما قال ابن تيمية -رحمه الله-. علما أن يجب علينا أن لا ننسى أن أساس نكبة أمتنا في القديم والحديث: حكامها الظالمون وأذكياؤها المنافقون وعلماؤها الغافلون) كما كان مصطفى السباعي يقول – رحمه الله – فياشباب النصرة وحزم إن الشعور بالمسؤولية المنوطة بنا جميعا يقضي بأن نتعامل تعامل الأتقياء لنرغم أنوف المسيطرين الظالمين في العالم ونبقى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) المائدة: 54 (أشداء على الكفار رحماء بينهم) الفتح: 29.
ولا نبدل تبديلا ونهيب بالفريقين أن يقبلوا بتدخل الجبهة الشامية حيث تدعو الطرفين إلى الالتزام بما اتفق عليه معها لأن الاقتتال الداخلي يستنزف الثورة والثوار وإن الحفاظ على الانتصارات أخيرا في حلب وريفها ليفرض ذلك.