رأى طارق متري، المبعوث الأممي الأسبق إلى ليبيا، أن هزيمة تنظيم الدولة بالتحالف مع رئيس النظام السوري بشار الأسد “أمر مستحيل”، معتبرا في الوقت نفسه أن الهدف الحقيقي لروسيا من تدخلها في سوريا هو “حماية النظام وليس القضاء” على ذلك التنظيم.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع الوزير اللبناني السابق، الذي يشغل حاليا منصب مدير “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” في الجامعة الأمريكية، ببيروت.
وقال متري: “إذا أردت أن تُنهي داعش وتهزمه في سوريا تحديدا، يجب أن تكون لديك القدرة على حكم المناطق التي يحكمها التنظيم، ولتكون قادرا على ذلك، يجب أن يكون لديك حكم في سوريا يتمتع بالشرعية والقدرة، والنظام الحالي فاقد للقدرة والشرعية لحكم المناطق التي يحتلها هذا التنظيم”.
وأضاف قائلا: “ضرب داعش يسبقه شرط يجب أن يتحقق، وهو حل سياسي في سوريا يؤدي إلى نظام صاحب شرعية وقدرة على حكم المناطق التي يسيطر عليها داعش في حال تمت هزيمته”، مستدركا بقوله: “أما الآن فلا يمكن أن تهزم التنظيم بالتحالف مع بشار الأسد، هذا أمر مستحيل”.
في سياق متصل، رأى أن الأهداف الفعلية لروسيا في سوريا “تختلف عن هدفها المعلن”، قائلا: “الأمر واضح، ويتكشف فعليا أن الهدف الفعلي ليس إلحاق الهزيمة بداعش، بل هو منع النظام وجيشه من الانهيار، ومن ثم دعمه عبر إضعاف المعارضة غير الداعشية”.
ودخلت الأزمة السورية منعطفا جديدا، عقب بدء روسيا بمهاجمة مدن وبلدات ومواقع في سوريا، منذ نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، وتقول إن هذا التدخل “يستهدف مراكز تنظيم داعش”، الأمر الذي تنفيه كل من واشنطن وعواصم غربية، وقوى المعارضة السورية التي تقول بدورها إن أكثر من 90 في المئة من غارات الطيران الروسي تستهدف مناطق لا وجود لتنظيم الدولة فيها، وإنما تستهدف المدنيين وفصائل الثوار ومواقع للجيش للحر.
عراقيا، أعرب السياسي اللبناني عن أمله في أن “يتمتع رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بـ”الحكمة” بعد سيطرة القوات الحكومية على منطقة الرمادي (مركز محافظة الأنبار)، وطرد تنظيم الدولة منها قبل أيام، مشددا على ضرورة “ألا يقوم باستحضار مليشيات الحشد الشعبي لحكم الرمادي، وعندها يعود أهل المدينة يتمنون العودة إلى أيام التنظيم”.
ومضى يقول: “هذا هو التحدي. يجب أن يكون هناك نظام يتمتع بشرعية، ومقبول من الناس، ويحكم بالعدل، ودولة قانون”.
وكانت القوات العراقية قد تمكنت الأسبوع الماضي، من تحرير مدينة الرمادي وطرد مقاتلي تنظيم الدولة منها.
وفيما يتعلق بالملف الليبي، تحدث متري عن اتفاق الصخيرات المغربية الذي جرى توقيعه من قبل أطراف ليبية الشهر الماضي، وقضى بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال: “في مجتمع متفكك انفجرت فيه كل أنواع الصراعات الجهوية والمناطقية، وبين المدن، والقبائل وغيرها، وفي مجتمع تفتقد فيه النخب السياسية إلى أي خبرة، وفي مجتمع يكتنف سياسات الدول الغربية تجاهه الغموض لجهة التدخل وعدمه، أهم ما تستطيع أن تحققه هو أن تشرك الجميع في العملية السياسية، لأن أي جهة لا تشركها تكون قادرة على تخريب هذه العملية”.
لكنه استدرك بقوله: “تسوية خير من عدم التسوية، لكن هل من الممكن تخريب هذه التسوية؟ نعم ممكن؛ لأن هناك فئات كثيرة لا يُستهان بها تعارض هذه التسوية”.
وتابع قائلا: “إذا افترضت أن هذه التسوية نجحت في ليبيا، وربما نجحت بتشكيل حكومة، لكن يبقى السؤال: كيف يمكن لهذه الحكومة أن تحكم في ظل انتشار السلاح، وضعف أجهزة الدولة بدءا من الجيش والشرطة؟ وهل هناك رغبة بتدخل عسكري دولي، وإن كان محدودا، لدعم هذه الحكومة؟ وإذا كان ذلك صحيحا، ألا يزيد التدخل الدولي التفكك في ليبيا؟ خصوصا أن هناك فئة كبيرة من الليبيين ستعارضه بالسلاح”.
وحول على ما إذا كان التدخل العسكري الغربي في ليبيا من الممكن أن يتكرر في سوريا، قال إن “هذا الأمر أصبح في غفلة من الزمن، ولن يتكرر، فالقرار 1973 الذي سوّغ التدخل الدولي، استخدم عبارة: كل التدابير الضرورية لحماية المدنيين، لن نكون ساذجين ونقول إن المبدأ (مسؤولية الحماية) كان الدافع الوحيد وراء القرار، لكنها كانت لحظة التقى فيها مبدأ الدفاع عن المدنيين مع مصالح الدول، والتقاء القيم مع السياسات يصير في غفلة من الزمن؛ لأن السياسات تتبع المصالح وليس القيم”.
وتطرق الوزير اللبناني إلى تجربته في ليبيا (كمبعوث أممي 2012-2014)، وقال: “ما يكون لمصلحتك في البداية وهو أنك عربي وقادر على التفاهم معهم (الأطراف الليبية)، يصبح ضدك في النهاية؛ لأنك مع الوقت ستملك القدرة على كشف المستور ومعرفة ما وراء الكلام الذي يقال، أما الغربي فيعتقد أن ما يسمعه هو الحقيقة”.
ولفت إلى أنه خلال توليه ذلك المنصب، كان يذكّر الليبيين بأن وجوده في بلدهم “فرصة” لاستخدام منظمته الدولية لصالح ليبيا، لا لتنفيذ أجندة ضدها.
وحول الثورات التي شهدتها عدة دول عربية، اعتبر متري أنه “بعد خمس سنوات على انطلاقها، هناك نوعان من الخيبة: خيبة أناس تحمسوا لهذه الثورات عن حق، وظنوا أنها ستحقق نجاحا سريعا، وتفي بما وعدت به خلال فترة محدودة، وخابوا من الانتظار، ثم خابوا من انزلاق المجتمعات التي شهدت ثورات نحو العنف والفوضى، وهذه خيبة محترمة”.
أما “الخيبة” الثانية، فهي برأيه “تلك التي كانت من أولئك الذين كانوا أساسا ضد الثورات، وينتظرون أول عقبة تواجهها في تحقيق ما قامت من أجله، حتى يصفونها بأنها خريف إسلامي، وليقولوا بأن المجتمعات العربية غير مؤهلة للديموقراطية، وبأن الأنظمة الديكتاتورية التي أسقطتها تلك الثورات كانت أفضل منها، وطبعا هذا منطق الثورات المضادة”.
من جهة أخرى، أعرب عن رأيه في وجود “انكفاء” أمريكي عن منطقة الشرق الأوسط، قائلا في هذا الإطار: “لا أدري إلى أي مدى سيصل هذا الانكفاء، لكن (الرئيس باراك) أوباما قالها منذ اليوم الأول لانتخابه، لا بل أثناء معركته الانتخابية، حين كان صريحا بهذا الشأن، لكن نحن (في المنطقة) لم نصدقه؛ لأننا معتادون أن الإمبريالية تتآمر علينا دائما”.
وختم حديثه بقوله: “الواقع أنهم (الأمريكيين) لم يعودوا مهتمين لأمرنا كما كانوا في الماضي، فأوباما يريد الانسحاب من العراق وأفغانستان، ويعقد تسوية مع إيران فقط لا غير”.
عربي 21