التعليم هو أول لبنة توضع في بناء أي مجتمع إنساني، وبالتعليم وحده ترقى الأمم والشعوب وتحقق غاية وجودها، وتنسج خيوط حضارتها الأولى، لكن وكما هو معروف يحتاج التعليم إلى جو مستقر ليتم بالطرق المثلى، أما في الحروب فيكون التعليم هو المتضرر الأول وينعكس كل ما يحدث أثناء الحرب على صيرورة التعليم ومراحله، ومدى فاعليته والحاجة إليه.
اليوم في ظل ما تعيشه سوريا من حرب طاحنة.. يسعى الأسد وأعوانه سعي بابا أوروبا هو وإقطاعييه في القرون الوسطى إلى نشر الجهل والتخلف إضافة إلى ما ينشره من خراب ودمار وأمراض وأوبئة وويلات، هو مسؤول عنها بشكل أو بآخر.
لأنه يدرك جيدا أن الشعب السوري عندما بدأ يحذو في طريق جيد وتطورت علومه وتوسعت مداركه، فهم لعبته القذرة ولعبة أبيه من قبله التي اعتمدها منذ أكثر من أربعين عاما.. فهم الشعب أن عليه الفكاك من رقبته، والخلاص من نيره، لذلك – وبحسب رأي الأسد- ينبغي إعادتنا إلى أعمق أودية الجهل، عن طريق خطة ممنهجة بدأ بتطبيقها منذ بداية الثورة وحتى الآن، لكن المتابع يلاحظ أن وتيرتها تصاعدت في الأيام الأخيرة، بشكل فاضح واتخذت مسارين اثنين، الأول استهداف البنى التحتية المدرسية بطلابها وطواقمها المدرسية والثاني اختطاف الأطفال من قبل تجار الأعضاء وسوف نستنير هنا حول كلا النقطتين:
نبدأ باستهداف المدارس حيث – وبلغة الأرقام- أحصى مكتب التوثيق في المركز الصحفي السوري حتى أمس الثلاثاء 9 مراكز خدمية تعليمية تعرضت لقصف قوات النظام وحليفه الروسي منذ بداية الشهر الجاري، على خلفية الحملة الشرسة التي تشنها طائراته على المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل الثوار، وتوزعت المدارس حسب الجهة الفاعلة على النحو الآتي:
5 مراكز من قبل قوات النظام، 3 للطيران الروسي، 1 من طيران التحالف الدولي، فلا تغيب عن ذاكرة أحد المجزرة التي ارتكبتها الصواريخ المظلية التي رمتها طائرات الأسد على مدرسة قرية حاس قبل أسابيع، وكانت حصيلتها أكثر من 35 مدنيا معظمهم أطفال من طلاب المدرسة التي استهدفتها 8 صواريخ مظلية دفعة واحدة.
هزت المجزرة بوحشيتها ضمير العالم الذي – للأسف- مات منذ انطلاق الثورة في سوريا، فما الذي يدفع بالأسد وحلفائه لقصف تلك المدارس؟! هل هي أماكن لتنظيم الدولة أو ثكنات للثوار، أم هي مقرات لجبهة النصرة؟!
حقيقةً الغرض الأساسي هو حرمان أبنائنا من التعليم، عن طريق نشر الذعر وسط الأهالي وخلق (فوبيا) لدى الطلاب تجاه المدرسة كي يمتنعوا عن الذهاب إليها ومع توالي القصف ستضطر الجهات الرسمية الحرة في المناطق المحررة حرصا على سلامة الطلاب والكوادر التعليمية إلى إعلان إغلاق المدارس إلى إشعار آخر، وبالتالي وبلغة الأسد نشر الجهل إلى إشعار آخر.. أما من كانت لديه قوة القلب والشجاعة اللازمة ليتحدى الأسد وحلفائه والموت بقولة ” محدا بموت وناقص عمر” فقد بدأت خلايا النظام النائمة في مناطقنا المحررة بتنفيذ أجندات متزعميها؛ فطفت على السطح مؤخرا أنباء متواترة عن عمليات اختطاف للأطفال أثناء الذهاب أو العودة من مدارسهم، أو حتى أثناء النهار الاعتيادي، نحن شعب عربي بسيط فورا يغلي الدم في رؤوسنا ونقتنع بقصص أقرب إلى الخرافات، ويردد كثيرون “لا حدا يبعت ولاده على المدرسة؛ في تجار أعضاء ع يخطفوا الولاد”، والمضحك المبكي هنا أن الأطفال السوريين باتو متاحين لتجارة الأعضاء أكثر من أي أطفال في أي دولة من دول العالم، كم طفل يهجّر بشكل غير شرعي.. يهجّر يوميا مع أو دون عائلة؟!
أعزائي: أطفالنا متاحون لتجارة الأعضاء في لبنان ومخيماتها البائسة وفي الأردن التي يعيش فيها 70 بالمئة من النازحين السوريين تحت خط الفقر، وفي تركيا الذين يمضون ليالي عدة على حدودها بانتظار الأمل بالدخول إليها، وحتى في البلم لا حاجة لهؤلاء التجار لتلك الأساليب البدائية..
ومن يقلّب القصة من جوانب عدة يرى أن كل ما جرى في المناطق المحررة كانت محاولات خطف وترويع لا أكثر، ولم يُذكر حتى اللحظة أن فلانا بن فلان خُطف ولم يعد أو خُطف ووُجد وهو مفقوء العينين ومفتوح الصدر ومبقور البطن.. إنها الخلايا المخابراتية للنظام تحاول الترويع ونشر الهلع بيننا، لكي نرى بأن المنزل هو المكان الأنسب لبقاء أطفالنا بأمان حتى التعليم الحياتي الخبراتي (على قولة نساء الحي: الحياة مدرسة) الذي كان يكتسبه أطفالنا من الشارع قرروا حرماننا منه.
الخلاصة ببساطة ضرب مدارس وقتل أكف طرية حالات تهديد بالخطف، تدفعنا مرغمين لأن نقود أطفالنا إلى سجن الجهل والتخلف.. والطامة الكبرى أن الحيلة ليست من الأسد فهو أقل من أن يصوغ الحيل، الحيلة من المجتمع الدولي بأكمله، لكي يطفؤوا نور هذا الشعب وشموع فرحه.
المركز الصحفي السوري – شاديا الراعي