تتكشف المزيد من تفاصيل محاولة الانقلاب التركية بموجب معلومات لـ”العربي الجديد” وأخرى تتضمنها الوثائق المسربة من هواتف آلاف المعتقلين والتي صارت تعج بها وسائل إعلام عربية وغربية. ويمكن اعتبار موجة رد الفعل، أي حملة التوقيفات والاعتقالات والتسريحات الهائلة في صفوف الجيش والشرطة والموظفين والقضاة، بحجم الفعل الذي كان يتم الإعداد له، وتُرجم على الأرض بشكل لم يكتب له النجاح.
فقد سيطر الانقلابيون على هيئة الأركان التركية ظهر الجمعة، وأرسلت المجموعة الانقلابية عبر نظام الاتصال الخاص برئاسة هيئة الأركان في الساعة الثالثة و22 دقيقة من ظهر يوم الجمعة بالتوقيت المحلي، رسالة إلى الوحدات العسكرية الموالية لها، تحمل تعليمات خاصة بإعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد، بدءاً من تاريخ إرسال التعليمات، وكذلك حظر التجوال بدءاً من الساعة السادسة مساء من اليوم نفسه.
وأطلق الانقلابيون على محاولتهم الانقلابية “حركة يلدرم” أو “حركة الرعد” العسكرية، وتكوّنت الرسالة المرسلة إلى المجموعة الانقلابية من ثلاث صفحات وتضمنت 20 مادة، حملت توقيع قائد مجموعة “سلام في الداخل” الانقلابية، وهو اللواء محمد بارتي كوج، بالإضافة لتوقيع العميد الركن جميل تورهان. وتضمّنت التعليمات أسماء القيادات التي ستتولى تنفيذ حالة الطوارئ وقائمة بأسماء العسكريين الذين سيتولون إدارة محاكم الطوارئ التي سيتم تشكيلها في مختلف الولايات، وكذلك قرارات تعيين القيادات التي ستتولى الأمن في كل من العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول.
وبحسب المراسلات، فقد تم تعيين اللواء محمد بارتي كوج لإدارة رئاسة هيئة الأركان، واللواء إرهان جاها لإدارة قيادة القوات البرية، واللواء عرفان عراباجي لإدارة قيادة القوات البحرية، والعقيد الركن إلهان كاراسو لإدارة القوات الجوية، واللواء فاروق بال واللواء مصطفى شعبان غوموش إينة، لإدارة قوات الدرك.
أما عن المرحلة الأكثر حرجاً في عمر الانقلاب، فهي التي استطاع فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفرار من الفندق الذي كان يقضي فيه إجازته في منطقة مرمريس على ساحل المتوسط، ليقوم الانقلابيون بعد حوالي الساعة من مغادرته بمهاجمة الفندق وقصفه بواسطة المروحيات.
وغادر الرئيس التركي إسطنبول، بناءً على مكالمة هاتفية تلقاها من قائد الجيش الأول التركي الجنرال أوميد دوندار، والذي قال له فيها: “سيدي الرئيس، أنت الرئيس الشرعي وأنا موالٍ لك، لا تذهب إلى أنقرة، تعال إلى إسطنبول، سأؤمن لك الحماية”.
وعلم رئيس هيئة الأركان العامة التركية الجنرال خلوصي أكار بأمر الانقلاب خلال عمله في هيئة الأركان، إذ قامت المجموعة الانقلابية بإلقاء القبض عليه قبل أن تقوم بنقله إلى قاعدة أكنجلار الجوية قرب العاصمة أنقرة، في الثالثة من فجر السبت، لتقوم وحدات خاصة تابعة للجيش التركي بتحريره في وقت لاحق. بينما بقي قائد القوات البرية التركية الجنرال صالح زكي جولاق، إلى جانب نائب رئيس هيئة الأركان الجنرال غولار يشار، في قبضة الانقلابيين في القاعدة إلى وقت لاحق، حيث يقود الفرقة 141 في قاعدة أكنجلار الجنرال حاقان كاراكوش، صهر القائد السابق للقوات الجوية التركية الجنرال المتقاعد أكن أوزتورك، والذي يُعتبر أحد المتهمين في قيادة الانقلاب، على الرغم من نفيه لهذه الاتهامات.
وكشف الجنرال أكار، تفاصيل احتجازه من قبل الانقلابيين، وذلك أثناء حضوره إلى البرلمان التركي، وحديثه إلى زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو، وزعيم حزب الحركة القومية المعارض، دولت بهجلي. وأكد أكار أن بعضاً من الانقلابيين حاولوا إجباره على قراءة بيان الانقلاب، مصوّبين السلاح إلى رأسه، مضيفاً أن العناصر الانقلابية أكدوا له أنه في حال وقّع على البيان ستزول المخاطر المحيطة بحياته، ليقوموا بتطويق رقبته بحزام بعد رفضه قراءة البيان والتوقيع عليه. وأشار أكار إلى أن رئيس القلم الخاص به، وبعض موظفي السكرتارية وبعض الضباط المقربين منه شاركوا في محاولة الانقلاب ودعموها، موضحاً أنه تم بعد ذلك نقله ونقل من معه من الضباط غير الانقلابيين إلى قاعدة أكنجي، بعد تقييد أقدامهم وأيديهم، ووضعهم في غرف منفردة، حيث لم يتم تقديم أي طعام أو ماء لهم لمدة 10 ساعات متواصلة.
كان حجم الصدمة كبيراً على الحكومة التركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، يوم الجمعة الماضي، بسبب أعداد ورتب المعتقلين المشتبه بعلاقتهم بالانقلابيين، والذين توزعوا على معظم مؤسسات الدولة، بدءاً بالمؤسسة العسكرية ومروراً بالسلطة القضائية وانتهاء بجهاز وزارة الداخلية الأقرب للحكومة، على الرغم من أنها تعرضت خلال الأعوام السابقة لحملات تطهير واسعة.
وأعلنت وزارة الداخلية، يوم أمس الإثنين، أنها جمّدت 8777 موظفاً في صفوفها، للاشتباه بعلاقتهم بالمحاولة الانقلابية، من بينهم 7899 ضابط شرطة، و614 من قوات الدرك، ووالي محافظة و29 والي مركز و52 مفتشاً و16 مستشاراً حقوقياً ومديراً عاماً و2 من رؤساء الإدارات، بما يعتبر أكبر عملية إعادة هيكلة في تاريخ وزارة الداخلية التركية. وأشرف على العمليات في وزارة الداخلية التركية رئيس الإدارة العامة لمديريات الأمن التركية محمد جلال الدين، وتم استدعاء الضباط والموظفين، أمس، إلى مقرات مديريات الأمن في الولايات لمصادرة أسلحتهم وبطاقات التعريف الخاصة بهم.
في غضون ذلك، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، أن المحاولة الانقلابية أدت إلى مقتل 208 في صفوف معارضي الانقلاب، منهم 145 مدنياً، 60 شرطياً و3 جنود، بينما قُتل 24 في صفوف الانقلابيين وجُرح خمسون آخرون. وعن أعداد المحتجزين من المشتبه بعلاقتهم بالانقلابيين، أكد يلدرم أنه تم اعتقال 7543 شخصاً، منهم 6038 من مختلف الرتب العسكرية (بينهم 20 في المائة من جنرالات الجيش)، و100 في صفوف الشرطة، 755 قاضياً ومدعياً عاماً (بينهم اثنان من قضاة المحكمة الدستورية العليا)، و650 بين المدنيين، بينما جرى التحفظ بقرار قضائي على 316 منهم.
وعلى الرغم من إحباط المحاولة الانقلابية واستعادة السلطة من قِبل الحكومة الشرعية، بدا واضحاً أن الأمور لم تعد بعد إلى وضعها قبل ليلة 15 يوليو الحالي، إذ أصدر أردوغان قراراً يقضي بقيام طائرات حربية بطلعات دورية لمراقبة أجواء البلاد والتأكد من الوضع الأمني، وذلك بعد يومين من استخدام الانقلابيين طائرات “إف 16” التركية لتوجيه ضربات إلى البرلمان التركي الذي اعتصم فيه النواب ضد المحاولة الانقلابية.
في غضون ذلك، أصدر قائد مديرية أمن مدينة إسطنبول مصطفى جالشكان، قراراً بإسقاط أي مروحية مجهولة تُرى في سماء المدينة من دون أي تحذيرات. وبعد العمليات التي شنّتها قوات الشرطة الخاصة، يوم أمس الأول، في كل من القاعدة الجوية الثالثة في قونيا ومطار صبيحة كوكجك في مدينة إسطنبول وقاعدة إنجرليك ومراكز قيادات قوات الدرك في كل من أنقرة وإسطنبول، قامت قوات مكافحة الإرهاب التابعة لمديرية أمن إسطنبول، يوم أمس الاثنين، بعمليات بحث وتفتيش في المدرسة الحربية في مدينة إسطنبول والمساكن التابعة لها.
العربي الجديد