مباشرة بعد ظهور الأعراض الأولى لمعركتي الرقة والفلوجة ظهرت سمات قلق محلي وإقليمي ودولي من نتائج الحرب ضد تنظيم الدولة، وما بعد القضاء على التنظيم.
والقلق ليس انطباعيا بل هو صادر عن غرف عمليات تقود العمليات في سوريا والعراق وتتخوّف من تداعيات المعارك على علاقة السنّة بالشيعة في كل المنطقة.
وإذا ما كثر الحديث عن تقلّص للمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فإن الأوساط السياسية في سوريا والعراق تتساءل عما إذا كانت هناك خطة في اليوم التالي المفترض للقضاء على داعش.
وتنبه أوساط متابعة إلى أن الحرب ضد تنظيم الدولة قد تؤدي إلى اصطفافات جديدة للمناطق السنّية، سواء في سوريا والعراق، على نحو يطرح أسئلة حول الهدف الحقيقي الذي يقف وراء المعارك ضد معاقل داعش في البلدين.
ويكرر دبلوماسيون عرب أن الحرب ضد التنظيم دون مواكبة سياسية تمتصّ غضب العرب السنّة من مشاعر الغبن والتهميش التي تنتابهم في البلدين، سيجرّ المزيد من الماء إلى طاحونة داعش وأمثاله، وأن عدم وجود خطة لما بعد الحرب سيعيد إنعاش تنظيم أبوبكر البغدادي الذي يملك خطة واضحة لا لبس فيها.
وتلاحظ أوساط مراقبة أن السنّة يشعرون بأن إعادة رسم للخرائط في المنطقة تجري على حسابهم، وأن الحرب ضد داعش هي أداة من أدوات هذه الورشة. وهو ما يلفت النظر إلى طبيعة الورش الناشطة والتي تضع استراتيجيات موسكو وواشنطن وطهران والطموحات الكردية في سلّة واحدة.
ويتحدث خبراء غربيون في مسائل الشرق الأوسط أن التنظيم استطاع محو الحدود بين سوريا والعراق، وأن “قضية السنّة” صارت واحدة بالنسبة للسنّة في سوريا والعراق، وأن استهداف المدن السنّية، بداعي تطهيرها من الإرهاب، سيعيد ترسيم حدود تلك المدن وفق اصطفافات توفّر الأمن والاستقرار ضمن تقسيمات جديدة متعددة الأوصاف.
ويقول الجنرال سكوت مان، أحد كبار الضباط البريطانيين الذين خدموا في العراق “ما زلنا نستخدم نفس الاستراتيجيات الفاشلة لمواجهة أعمال التمرد منذ 15 عاما، والتي تقود إلى نتائج أكثر سوءا”.
ويعتبر مان أنه سيكون لهجوم الفلوجة “مفعول مؤقت على المدى القصير لكن مفاعيله ستكون كارثية على المدى الطويل”.
ويحذر مراقبون للعمليات الجارية على مشارف الرقّة ومنطقة منبج ونواحيها، من أن بداية المعارك أفرجت عن تصاعد حالة العنصرية بين العرب والأكراد، وعن حالات انشقاق لعناصر عربية عن “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من قبل الولايات المتحدة.
وترى أوساط عشائرية في المنطقة أن واشنطن والأكراد التابعين لقوات “حماية الشعب” الكردية يريدون للوجود العربي داخل “قوات سوريا الديمقراطية” أن يكون صوريا لأغراض العلاقات العامة، وأن التآلف الفلكلوري بين العرب والأكراد وفق الرؤى الأميركية يتّسم بالصبيانية والتبسيط.
وتتخوّف العشائر العربية من حراك الأكراد، بقيادة صالح مسلم، الذين يستغلون الحرب الداخلية السورية لاختراق مناطق عربية وتحضيرها لتكون جزءا من فيدراليتهم على النحو الذي أُعلن بالنسبة إلى الرقّة.
وتراقب أوساط غربية معركة الرقّة المتعثّرة، لا سيما أن ضجيجها أتاح تقدم الأكراد باتجاه منبج، شرق حلب متجاوزين محظورات تركية. وتتعذر أنقرة، على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، بأن المهاجمين عرب، حسب ما أخبرهم الأميركيون.
وتراقب نفس الأوساط معركة الفلوجة المتعثّرة أيضا التي أتاحت تقدما للبيشمركة من الشرق في اتجاه الموصل.
وتنقل صحيفة الغارديان البريطانية عن قيادات عشائرية في منبج قولها إن قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” تعتبر أن من ليس من العرب في صفوف تلك القوات هو في صفوف داعش وتتعامل معه وفق ذلك.
وتضيف هذه القيادات أن هذا تماما ما كان يقوم به داعش في التعامل مع تلك العشائر.
وتكشف الصحيفة نقلا عن عناصر عربية انسحبت من بعض تلك القوات، أن هذا الفصيل المدعوم من واشنطن، والذي يفترض أن يكون خليطا عربيا كرديا، بات يحتوي على أعداد هائلة من المقاتلين الوافدين من جبال قنديل المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة وواشنطن فصيلا إرهابيا.
ويرى حسن حسن، وهو باحث في معهد “تشاتم هاوس″ في لندن أن الهجوم ضد الفلوجة يدعم موقع داعش الذي نصّب نفسه “وصيا على أهل السنّة”.
ويذكّر حسن بأن تطهير مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في مارس 2015 خلّف غضبا لدى السنّة و”ما ستفعله معركة الفلوجة أسوأ”.
لكن سكوت مان في تصريحه لصحيفة الغارديان يرى أن “لداعش خطة ونحن ليست لدينا خطة”، ويضيف “يجب أن نعرف أن السنّة يتعرضون لأخطار بسبب الشيعة والغرب”.
العرب