الطبقات العليا في أجواء عمالقة كواكب الغاز، زحل والمشتري وأورانوس ونبتون، ساخنة تماما مثل طبقات كوكب الأرض. ولكن على عكس الأرض، فإن الشمس بعيدة جدا عن هذه الكواكب الخارجية لتكون سببا وراء ارتفاع درجات الحرارة.
مصدر حرارة هذه الكواكب كان أحد الألغاز العظيمة في علم الكواكب، إلا أن تحليلا جديدا لبيانات من مركبة “كاسيني” الفضائية التابعة لوكالة ناسا، وجد تفسيرا عمليا للسبب وراء درجة الحرارة الساخنة جدا في الطبقات العليا لزحل، وربما عمالقة الغاز الأخرى.
الشفق القطبي يحل اللغز
يرجع العمل، الذي نشر في دورية “نيتشر أسترونومي” في السابع من أبريل/نيسان 2020، السبب إلى الشفق في القطبين الشمالي والجنوبي لكوكب زحل.
فالتيارات الكهربائية الناجمة عن التفاعلات بين الرياح الشمسية والجسيمات المشحونة من أقمار الكوكب، تثير الشفق وتسخن الغلاف الجوي العلوي، كما هو الحال مع الأضواء الشمالية للأرض، فإن دراسة الشفق تخبر العلماء بما يحدث في الغلاف الجوي للكوكب.
يقدم هذا العمل الرسم الخرائطي الأكثر اكتمالا حتى الآن لكل من درجة حرارة وكثافة الغلاف الجوي العلوي لعملاق الغاز زحل، وهي المساحة التي لم تُفهم جيدا من قبل.
يقول زارا براون، كبير الباحثين في الدراسة وطالب الدراسات العليا في مختبر القمر والكواكب بجامعة أريزونا “إن فهم الديناميكيات يتطلب حقا رؤية شاملة. مجموعة البيانات هذه مكنتنا للمرة الأولى من النظر إلى الغلاف الجوي العلوي من القطب إلى القطب بينما لاحظنا أيضا كيف تتغير درجات الحرارة بعمق”.
ومن خلال بناء صورة كاملة لكيفية دوران الحرارة في الغلاف الجوي، يصبح العلماء أكثر قدرة على فهم كيفية تسخين التيارات الكهربائية الشفقية للطبقات العليا من الغلاف الجوي لزحل ودفع الرياح.
حيث يمكن لنظام الرياح توزيع هذه الطاقة قرب القطبين نحو المناطق الاستوائية على الكوكب، وتسخينها إلى ضعف درجات الحرارة المتوقعة من تسخين الشمس وحدها.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة تومي كوسكينين “إن النتائج حيوية لفهمنا العام لأجواء الكواكب العلوية (..) إنها تساعد في معالجة مسألة لماذا يكون الجزء العلوي من الغلاف الجوي الشديد الحرارة، في حين أن باقي الغلاف الجوي -بسبب المسافة الكبيرة من الشمس- بارد”.
المركبة كاسيني
و”كاسيني” هي مركبة فضائية أطلقتها وكالة ناسا عام 1997 لدراسة كوكب زحل، وكان يدير المركبة التي قامت بدراسة الكوكب لأكثر من 13 عاما، مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في جنوب كاليفورنيا.
وقد أنهت المركبة مهمتها بعد نفاد وقودها، بالاحتراق في الغلاف الجوي لزحل في سبتمبر/أيلول 2017، بعد أن جمعت بيانات حجمها 635 غيغابايت منذ بداية دورانها حول زحل وأقماره المعروفة. وخلال جولتها الأخيرة، قامت كاسيني بجمع البيانات الرئيسية لخريطة درجة حرارة جو زحل.
ولمدة ستة أسابيع، استهدفت المركبة العديد من النجوم الساطعة في كويكبات “الجبار” و”الكلب الأكبر” لملاحظة شروق وغروب تلك النجوم خلف الكوكب العملاق، وبالتالي حلل العلماء كيف تغير ضوء النجوم أثناء مروره عبر الغلاف الجوي.
وبالتالي تم قياس مدى كثافة الغلاف الجوي لكوكب زحل، والذي أعطي العلماء المعلومات التي يحتاجونها لمعرفة درجات الحرارة، وقد وجدوا أن درجات الحرارة تبلغ ذروتها قرب الشفق، مما يشير إلى أن التيارات الكهربائية الشفقية تسخن الغلاف الجوي العلوي.
ساعدت قياسات الكثافة ودرجة الحرارة معا العلماء على معرفة سرعات الرياح، وفهم الغلاف الجوي العلوي لزحل. وهذا ما سيساعد على فهم ودراسة الكواكب الأخرى.
يقول براون “رغم العثور على آلاف الكواكب الخارجية، فإن الكواكب في نظامنا الشمسي فقط هي ما يمكن دراستها بهذا القدر من التفاصيل. وبفضل كاسيني، لدينا صورة أكثر تفصيلا عن الغلاف الجوي العلوي لكوكب زحل في الوقت الحالي، أكثر من أي كوكب عملاق آخر في الكون”
نقلا عن الجزيرة