بغداد – تجنب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته للعراق، الإشارة إلى إيران والميليشيات التابعة لها، في وقت بدا فيه المسؤولون في بغداد مهتمين بالزيارة كمناسبة استعراضية أكثر من كونها فرصة للحصول على مساعدات مالية أو عسكرية فرنسية وفق التوقعات التي رافقت مبادرة “السيادة” التي أعلنت عنها باريس.
وانطوت تصريحات ماكرون في بغداد على الكثير من عبارات الدعم للعراق وسيادته الكاملة على أراضيه، أوّلها العراقيون على أنها موقف رافض لتكرار الخروقات التركية داخل الأراضي العراقية وهجمات الجماعات الشيعية الموالية لإيران على المطارات والبعثات الدبلوماسية والمعسكرات، لكن الرئيس الفرنسي مال إلى الغموض تماما مثلما فعل في زيارته للبنان، حيث تجنب انتقاد إيران أو ذراعها حزب الله.
وقال مسؤول عراقي إن زيارة ماكرون حول “سيادة العراق” تشكل أيضا رسالة غير مباشرة إلى تركيا.
ويرى مراقبون أن باريس تتحرك وفق إستراتيجية تتناقض مع مواقف واشنطن ضد إيران وأذرعها في المنطقة، وأنها تضع المصالح الفرنسية كأولوية على أي تفاهمات دولية أخرى.
وقال ماكرون، خلال زيارة إلى بغداد لاقت حفاوة كبيرة، إنه كان حريصا على “زيارة بغداد باعتبار ذلك التزامًا فرنسيًّا يؤكد على عمق الصداقة بين البلدين”، مشيرا إلى رغبة بلاده في مواكبة “المشاريع الهامة في العراق وخاصة مترو بغداد ومشاريع الطاقة”.
وأوضح الرئيس الفرنسي أنه بحث مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي “تعزيز التعاون العسكري”، مؤكدا أيضا استعداد بلاده “للالتزام بتأمين مصادر الطاقة للعراق”.
وبدا من خلال التركيز على أوجه التعاون المحتملة في مشاريع النقل والطاقة أن هذه الزيارة قد تكون مدخلا لتفاهمات عراقية فرنسية واعدة. لكن الرئيس الفرنسي لم يعلن عن أي دعم خاص للعراق كتنفيذ لتعهده بإطلاق “مبادرة لدعم مسيرة السيادة” في العراق، قبل يوم واحد من زيارة بغداد.
ولم ترد تفاصيل عن مبادرة “السيادة” التي كثر الحديث حولها في الشارع العراقي، من بين ذلك تصريحات لمسؤولين عراقيين توقعوا إعلان مساعدات مالية أو عسكرية جديدة.
وخلال الأشهر الأخيرة، ضاعفت فرنسا إشارات الدعم للعراق عبر زيارة قام بها وزير الخارجية جان إيف لودريان في يوليو، حيث أكد على “أهمية النأي بالنفس عن توترات المحيط”. وفي السابع والعشرين من أغسطس، زارت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي بغداد وأربيل، مشددة على ضرورة مواصلة مكافحة تنظيم داعش.
وتسعى فرنسا إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع العراق الذي يعد وفقا لمنظمة الشفافية الدولية ضمن أكثر عشرين دولة فسادا في العالم.
وقال كريم بيطار أستاذ العلوم السياسية، الذي يعمل بين باريس وبيروت، إن “ماكرون يحاول -وبالتأكيد- الدفع باتجاه شرق أوسط يتطلع نحو فرنسا”.
وأضاف أن الرئيس الفرنسي كان يركز على لبنان والعراق، وكلاهما له علاقات مع إيران والسعودية، لأنه يعتقد أن باريس يمكن أن تلعب دور الوسيط إذا تصاعدت التوترات الإقليمية.
وحظي ماكرون باستقبال رسمي من قبل نظيره العراقي برهم صالح، قبل أن ينتقل إلى لقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ثم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
ووصف الرئيس صالح نظيره الفرنسي بـ”الصديق الحبيب”، مؤكدا حرص بلاده “على إقامة أفضل العلاقات مع فرنسا المبنية على التفاهم والتنسيق انطلاقًا من العمق التاريخي لها”، فيما شدد على “التزام العراق بنهجه الثابت في بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والأصدقاء والحلفاء والاعتماد على التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية كسبيل لبناء جسور الترابط بين شعوب المنطقة بعيدا عن سياسة المحاور وفرض الإرادات”.
وأضاف صالح أن “العراق يتطلع باهتمام إلى دعم المجتمع الدولي لجهوده في تعزيز سيادته الكاملة، وحفظ أمنه ومنع الخروقات العسكرية على أراضيه”، مشيرا إلى أن “جهودنا الجماعية يجب أن تركز على احترام سيادة البلدان وعدم التدخل في شؤونها كمصلحة مشتركة للجميع تقود إلى ترسيخ الأمن الإقليمي”.
من جهته قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لدى استقباله ماكرون، إن “فرنسا شريك مهم للعراق ونحن نريد توسيع هذه الشراكة”، مؤكدا أن “هناك الكثير من جوانب التعاون بين العراق وفرنسا”.
وتابع الكاظمي “نسعى لتفعيل العمل بوثيقة التفاهم الإستراتيجي بين البلدين”، مشيدا بالدعم الفرنسي للعراق في حربه ضد داعش.
وقال “سنعمل على تذليل كل التحديات أمام الشركات الفرنسية”، فيما تقدم بالشكر للرئيس الفرنسي “على اهتمامه بحماية سيادة العراق”.
وأكد الكاظمي أن “الاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية متاح أمام الشركات الفرنسية، حيث يعاني العراق من مشكلة في إنتاج الطاقة الكهربائية، وإمكانية الاستفادة من مفاعلات الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، في الوقت الذي يتطلع فيه العراق إلى المزيد من التعاون المشترك بين البلدين، لاسيما في ما يتعلق بإعمار المناطق المحررة وبرنامج إعادة النازحين”.
نقلا عن العرب اللندنية