أصدر فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) تقريراً أثبت فيه تورط النظام في ثلاث هجمات، لينضم بذلك إلى لجنتين أمميتين سابقتين أسندتا إلى النظام مسؤولية هجمات كيميائية في سوريا.
وسبق (OPCW) بإدانة النظام، لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في 22 آب 2011 بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان في سوريا، والتي أسندت إلى نظام الأسد مسؤولية عدة هجمات، لكنها لا تتمتع بقوة قانونية، كمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وآلية التحقيق المشتركة.
كما أن آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (JIM)، كلفت بحسب قرار مجلس الأمن رقم 2235 الصادر عام 2015، بتحديد هوية المسؤولين عن الهجمات في سوريا، واتهمت النظام بقصف مدينة خان شيخون بقذائف تحوي غاز السارين، فضلاً عن ثلاث هجمات كيميائية أخرى بغاز الكلور، كما اتهمت تنظيم الدولة بشن هجومين كيميائيين.
لكن اللجنة تعرضت لحملة تشويه من روسيا، طالت نزاهتها ودعت موسكو عدة مرات إلى تغيير آلية عملها، كما انتقدت تمثيل الخبراء داخلها واتهمت الدول الغربية بتسيسها، لتجهز عليها في تشرين الأول 2017، عندما استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي مرتين خلال أيام لتحبط مشروع قرار أميركي وآخر ياباني يدعوان إلى تجديد تفويض الآلية.
الهجمات الثلاث على اللطامنة والتي كانت موضوع التقرير، تم التحقيق فيها من قبل بعثة تقصي الحقائق التابعة لـ (OPCW)، لكن دورها في 2017 كان يقتصر على تحديد ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية قد استخدمت أم لا.
وتوسعت صلاحيات (OPCW) بعد أن صوتت أغلبية الدول الأعضاء في المنظمة خلال حزيران 2018، لصالح مشروع قرار تقدمت به لندن يجعل المنظمة قادرة على تسمية منفذي الهجمات الكيميائية.
وتوجهت الدولة الغربية إلى المنظمة بسبب اختصاصها، وآلية التصويت التي تعتمد على الغالبية، بعكس مجلس الأمن الذي استخدمت فيه روسيا حق النقض لإنهاء الآلية المشتركة (JIM). وزاد إلحاح الغرب في إيجاد آلية دولية لتحديد منفذي الهجمات الكيميائية، بعد استهداف العميل الروسي سيرغي سكربيل في بريطانيا بغاز الأعصاب، خلال آذار 2018، وتوجيه أصابع الاتهام إلى روسيا.
وفي ضوء ذلك يمكن سرد عدة فروقات بين “الآلية المشتركة” (JIM)، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
الاختصاص: واحدة من الذرائع التي استخدمتها روسيا ضد الآلية المشتركة، حيث قالت إنها لم تستخدم “كافة وسائل” التحقيق المنصوص عليها في معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، وصدور تقرير إدانة بهجمات كيميائية من المنظمة نفسها يعتبر أكثر مصداقية من أي جهة دولية أخرى.
الفيتو: استطاعت روسيا الإجهاز على الآلية المشتركة في مجلس الأمن الدولي وإيقافها عن متابعة التحقيقات، لكنها لا تمتلك هذا الحق في المؤتمر العام لـ (OPCW)، الذي يمكن أن يتخذ قرارا بتعليق عضوية النظام في المنظمة، بعد أن دخلها بقرار من مجلس الأمن عام 2013.
الفصل السابع: القرار 2118 الذي ألزم النظام بالتخلي عن الأسلحة الكيميائية في 2013، والانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة نص في الفقرة 21 منه ” في حالة عدم الامتثال (النظام)، بمـا يـشمل نقـل الأسـلحة الكيميائيـة دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في سوريا، يُفـرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
الاستمرارية: توقفت تحقيقات الآلية المشتركة بعد الفيتو الروسي، لكن (OPCW) ستتابع تحقيقاتها، في باقي الهجمات التي حصلت في سوريا، والعالم، وقد تصدر تقريرا عن استهداف العميل الروسي في بريطانيا.
وفي هذا السياق يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن التقرير “مهم لكونه تقنيا وصادرا عن جهة مختصة غير سياسية، وأن المنهجية التي وضعت له صارمة، كما أنه يحتوي على أدلة دامغة”. ويلفت “عبد الغني” إلى أن “الآلية” تمتعت بقوة سياسية أكبر لكونها تشكلت بقرار من مجلس الأمن.
ماذا تضمن التقرير؟
يلاحظ أن تقرير فريق التحقيق وتحديد مسؤولية الهجمات (IIT) في المنظمة الذي جاء في 81 صفحة، تناول بشكل استباقي بعض الانتقادات التي من المحتمل أن تأتي من النظام وروسيا، كما حصل مع تقرير آلية التحقيق المشتركة (JIM).
يوضح تقرير المنظمة أن فريق (IIT) أعطى النظام الكثير من الفرص لإثبات صدق ادعاءاته، حول فبركة المعارضة للهجمات أو تنفيذها من قبل “مجموعات مسلحة” ضد المدنيين، وجاء فيه “لم يتلق (الفريق)، ولم يكن بوسعه الحصول على أي مواد تثبت هذه المزاعم، ومع ذلك فقد أخذ هذه الفرضيات في الاعتبار عند فحص المعلومات الأخرى”.
يشير التقرير إلى أن الوصول المباشر إلى بعض المواقع والأفراد في سوريا كان غير ممكن، بسبب عدم حصولهم على تأشيرة دخول من النظام، لكن الفريق كان قادرا على المضي في تحقيقه دون هذا الوصول، على أساس المعلومات المتاحة بما في ذلك تلك التي حصلت عليها بعثة تقصي الحقائق التي زارت المكان، بالإضافة لحصوله على معلومات ومساعدة من سلطات 16 دولة طرف في معاهدة حظر الأسلحة، ومؤسسات سورية، ذكر منها مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا (CVDCS) والدفاع المدني السوري (SCD) والمركز السوري للعدالة والمساءلة والأرشيف السوري والشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) وتحالف المنظمات غير الحكومية السورية.
الظروف الميدانية للهجوم
يسرد التقرير وضع النظام العسكري قبيل الهجوم، ويذكر أن المنطقة وُجدِت فيها طائرات ثابتة الجناح متمركزة في كل من حماة ومطار الشعيرات تابعة للفرقة الجوية 22 بقيادة اللواء [تم حجب اسمه في التقرير ومن المرجح أن يكون مالك حسن].
كما حصل فريق التحقيق على معلومات عن اللواء 50 بقيادة العميد [تم حجب اسمه في التقرير] الذي ضم السربين 677 و685، اللذين تشكلا من طائرات سوخوي 22.
شملت القوات الجوية النشطة في المنطقة أيضًا السربين 253 و255، وينتميان للواء المروحيات 63، مع عناصر متمركزة في كل من قاعدة حماة الجوية وقاعدة حميميم الجوية. وفي آذار 2017 كان قائد اللواء 63 هو العميد [تم حجب اسمه في التقرير ومن المرجح أنه بديع معلا]، مع العميد [محمد إبراهيم] بمثابة نائب القائد.
أيضا أظهرت صور الأقمار الصناعية لمطار الشعيرات التي حصل عليها فريق المنظمة، وجود هياكل محددة كمرافق لتخزين الذخائر الكيميائية. ويشير التقرير إلى تعبئة عناصر النظام البراميل المتفجرة بالكلور في موقع في مصياف وبعد ذلك تم نقله إلى قاعدة حماة الجوية، على بعد حوالي أربعين كيلومترًا.
تركيبة سارين النظام
خلص فريق (IIT) إلى أن التركيبة الكيميائية للسارين المستخدم في اللطامنة يومي 24 و30 آذار 2017 ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالـتركيبة التي سلمها النظام لمنظمة حظر الأسلحة في 2013.
وتطرق التقرير بالتفصيل للمراسلات مع نظام الأسد، وذكر اجتماع وفد يمثل الأمانة الفنية للمنظمة في بيروت من 4 إلى 8 شباط 2019. وخلال اللقاء، قدم فريق التحقيق عرضا حول التفويض، لكن ممثلي النظام عبروا عن عدم اعترافهم به.
ويبدو أن النظام يحاول المراوغة من خلال عدم الاعتراف بفريق التحقيق، لكن فرناندو أرياس المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية قال معلقاً على التقرير “يتعين الآن على المجلس التنفيذي ومؤتمر الدول الأطراف في معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية وعلى الأمين العام للأمم المتحدة وعلى المجتمع الدولي برمته أن يقوموا باتخاذ الإجراء الذي يعتبرونه مناسباً وضرورياً”.