في تقرير لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية من سوريا قبل أيام، أجرت مراسلة الصحيفة لقاءات عديدة مع أناس من الطائفة العلوية التي تعد عصب النظام في سوريا؛ كشفت بحسب تعبيرها عن “مجتمع محاصر بين جماعات جهادية تنظر إليه على أنه مجتمع “كفار”، ونظام فاسد طمأنهم بأن الحرب ستكون قصيرة، ومن السهل الانتصار فيها”.
ومن أهم ما نقله التقرير أن مستوى خسائر الطائفة كبير جدا، إذ قتل الثلث من بين 250 ألف شخص في سن القتال، ما أظهر آثار الحداد على معظم القرى العلوية التي تقع في قلب محافظة اللاذقية. ونقلت عن أحدهم (عمار) قوله: “تصل في اليوم الواحد ثلاثون جثة من خطوط القتال في الأكفان”. ويقول موضحا: “كان الناس في البداية يحتفلون بمقتلهم، وينظمون لهم جنازات كبيرة، أما اليوم فتصل الجثث بهدوء على ظهر سيارات بيكب”.
ويوضح آخر المشهد بالقول: “في المعارك مع الجماعات السنية المسلحة لا تثق الحكومة بالجنود السنّة، وتخشى من انشقاقهم، ولهذا يتم إرسال العلويين ووضعهم في المقدمة”.
وتوضح الصحيفة أن الخسائر قد “أثرت على الطائفة العلوية، وأثارت حالة من الحنق في صفوفها، لكنها تشعر في الوقت ذاته بأنه لا خيار أمامها إلا البقاء مع النظام.
لكن الخلاصة الصحيحة التي تتوصل إليها الصحيفة هي أنه “رغم حنق العلويين على النظام، إلا أنهم يعرفون أن ثمن انهياره هو سيطرة جماعات المعارضة المتشددة التي ترغب بالانتقام منهم. والحل بالنسبة إليهم هو مواصلة المعاناة بصمت وانتظار قدوم جثث أبنائهم”.
هل كانت الخلاصة الأخيرة هي قدر العلويين في سوريا؟ الجواب هو لا بكل تأكيد، فالثورة لم تكن طائفية، وكان شعارها لشهور طويلة في الشوارع، وقبل أن تطلق رصاصة واحدة هو: “واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد”، لكن سوريا ليست مجتمعا ملائكيا، والكل يعرف أن الغالبية السنية كانت تشعر بوطأة الحكم الطائفي رغم محاولاته التستر خلف شعارات قومية، إذ كانت الطائفة (جناح منها بتعبير أدق) تتحكم بمفاصل المؤسستين العسكرية والأمنية، ثم مدت أذرعها خلال حقبة بشار إلى النشاط الاقتصادي (رامي مخلوف مثالا)، فضلا عن أننا إزاء نظام رئاسي لا تأخذ الحكومة من الصلاحيات سوى ما يمنحها الرئيس. ومن يتذكر كيف جرى نقل السلطة من قبل تلك المؤسسة من الأب إلى الابن، وكيف جرى تغيير الدستور في دقائق يدرك حقيقة تحكم الطائفة بالبلد عبر تحكمها بالمؤسستين اللعسكرية والأمنية.
ليس بشار وحده هو من ورّط العلويين في هذه المذبحة التي لن تعيد الوضع إلى ما كان عليه مهما طالت واستطالت، فهناك قبله وبعده إيران التي أقنعته بالقدرة على الانتصار، وهي لم تفعل ذلك إلا لحماية نظام تراه الركن الأكبر في مشروع تمددها في المنطقة.
وهي بذلك ألقت بالعلويين في أتون محرقة كلفتهم كل ما ذكر من ثمن باهظ، ولا يزال الحبل على الجرار، ودمّرت إمكانات التعايش بينهم وبين جيرانهم، والأسوأ أنها فعلت ذلك مع الأقليات الأخرى التي تم إقناعها بالانحياز للنظام، وبما يسمى حلف الأقليات.. طبعا ضد الغالبية.
لا قيمة هنا للحديث عن وجود أناس من الغالبية يعملون مع النظام، لأن ذلك أمر طبيعي، فحتى في حالات الاحتلال الأجنبي كان هناك من أبناء الشعب من يعملون معه بسبب قوته وجبروته، وهنا في سوريا كانت لسطوة النظام الأمنية دورها في بث الرعب في أوساط كثيرين، ودفعهم إلى التعاون معه، فضلا عن فئات كانت مستفيدة منه. أما قصة البديل، فهي أصلا لم تكن مطروحة في البداية قبل عسكرة الثورة، لكنها ظهرت لاحقا بإرادة النظام الذي اعتقد أنه يتفوق بالحل الأمني، بدل مواجهة ثورة سلمية، من دون أن يعني ذلك أن من حملوا السلاح كانوا مخطئين في وجه آلة قمع شرسة.
لقد ورّطت إيرات الأقليات في حرب مع الغالبية، ليس في سوريا وحدها، إذ فعلت ذلك مع غالبية نسبية في العراق إذا استثنينا الأكراد باستقلالهم العملي، ودفعت المالكي إلى سياسات طائفية أنتجت كل هذا العنف الذي تعيشه البلاد. أما الشاهد الأكبر الجديد فهو اليمن، فالحوثيون تم إلقاؤهم أيضا في محرقة، لكن الأسوأ هو أنها ورّطت جميع الأٌقليات الشيعية في المنطقة بدفعهم نحو اتخاذ مواقف من صراعات المنطقة خارج سياق الغالبية، ما جعل التعايش بينهم وبين جيرانهم صعبا إلى حد كبير.
لم تدرك إيران بغرور القوة الذي تلبسها أن الأقلية لن تعلن الحرب على الأغلبية ثم تربحها بعد هذه الصحوة من الشعوب، فكيف وهي أغلبية لها تراثها العظيم في مقارعة الغزاة من كل شكل ولون، لكنها ستدرك ذلك بعد نزيف طويل تتحمّله هي أولا، والأقليات المذكورة ثانيا، وعموم الأمة ثالثا، فيما يستفيد منه العدو الصهيوني الذي تدعي (أي إيران) معاداته، فأي عقل مجنون ذلك الذي اتخذ قرار إسناد بشار في مواجهة شعبه، فدمّر ربيع الشعوب، وقبله دعم طائفية المالكي، وها هو يضيف إلى ذلك دعم جنون الحوثيين في اليمن، بل هو من دفعهم نحو الجنون إذا أردنا الدقة؟!!
ومن أهم ما نقله التقرير أن مستوى خسائر الطائفة كبير جدا، إذ قتل الثلث من بين 250 ألف شخص في سن القتال، ما أظهر آثار الحداد على معظم القرى العلوية التي تقع في قلب محافظة اللاذقية. ونقلت عن أحدهم (عمار) قوله: “تصل في اليوم الواحد ثلاثون جثة من خطوط القتال في الأكفان”. ويقول موضحا: “كان الناس في البداية يحتفلون بمقتلهم، وينظمون لهم جنازات كبيرة، أما اليوم فتصل الجثث بهدوء على ظهر سيارات بيكب”.
ويوضح آخر المشهد بالقول: “في المعارك مع الجماعات السنية المسلحة لا تثق الحكومة بالجنود السنّة، وتخشى من انشقاقهم، ولهذا يتم إرسال العلويين ووضعهم في المقدمة”.
وتوضح الصحيفة أن الخسائر قد “أثرت على الطائفة العلوية، وأثارت حالة من الحنق في صفوفها، لكنها تشعر في الوقت ذاته بأنه لا خيار أمامها إلا البقاء مع النظام.
لكن الخلاصة الصحيحة التي تتوصل إليها الصحيفة هي أنه “رغم حنق العلويين على النظام، إلا أنهم يعرفون أن ثمن انهياره هو سيطرة جماعات المعارضة المتشددة التي ترغب بالانتقام منهم. والحل بالنسبة إليهم هو مواصلة المعاناة بصمت وانتظار قدوم جثث أبنائهم”.
هل كانت الخلاصة الأخيرة هي قدر العلويين في سوريا؟ الجواب هو لا بكل تأكيد، فالثورة لم تكن طائفية، وكان شعارها لشهور طويلة في الشوارع، وقبل أن تطلق رصاصة واحدة هو: “واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد”، لكن سوريا ليست مجتمعا ملائكيا، والكل يعرف أن الغالبية السنية كانت تشعر بوطأة الحكم الطائفي رغم محاولاته التستر خلف شعارات قومية، إذ كانت الطائفة (جناح منها بتعبير أدق) تتحكم بمفاصل المؤسستين العسكرية والأمنية، ثم مدت أذرعها خلال حقبة بشار إلى النشاط الاقتصادي (رامي مخلوف مثالا)، فضلا عن أننا إزاء نظام رئاسي لا تأخذ الحكومة من الصلاحيات سوى ما يمنحها الرئيس. ومن يتذكر كيف جرى نقل السلطة من قبل تلك المؤسسة من الأب إلى الابن، وكيف جرى تغيير الدستور في دقائق يدرك حقيقة تحكم الطائفة بالبلد عبر تحكمها بالمؤسستين اللعسكرية والأمنية.
ليس بشار وحده هو من ورّط العلويين في هذه المذبحة التي لن تعيد الوضع إلى ما كان عليه مهما طالت واستطالت، فهناك قبله وبعده إيران التي أقنعته بالقدرة على الانتصار، وهي لم تفعل ذلك إلا لحماية نظام تراه الركن الأكبر في مشروع تمددها في المنطقة.
وهي بذلك ألقت بالعلويين في أتون محرقة كلفتهم كل ما ذكر من ثمن باهظ، ولا يزال الحبل على الجرار، ودمّرت إمكانات التعايش بينهم وبين جيرانهم، والأسوأ أنها فعلت ذلك مع الأقليات الأخرى التي تم إقناعها بالانحياز للنظام، وبما يسمى حلف الأقليات.. طبعا ضد الغالبية.
لا قيمة هنا للحديث عن وجود أناس من الغالبية يعملون مع النظام، لأن ذلك أمر طبيعي، فحتى في حالات الاحتلال الأجنبي كان هناك من أبناء الشعب من يعملون معه بسبب قوته وجبروته، وهنا في سوريا كانت لسطوة النظام الأمنية دورها في بث الرعب في أوساط كثيرين، ودفعهم إلى التعاون معه، فضلا عن فئات كانت مستفيدة منه. أما قصة البديل، فهي أصلا لم تكن مطروحة في البداية قبل عسكرة الثورة، لكنها ظهرت لاحقا بإرادة النظام الذي اعتقد أنه يتفوق بالحل الأمني، بدل مواجهة ثورة سلمية، من دون أن يعني ذلك أن من حملوا السلاح كانوا مخطئين في وجه آلة قمع شرسة.
لقد ورّطت إيرات الأقليات في حرب مع الغالبية، ليس في سوريا وحدها، إذ فعلت ذلك مع غالبية نسبية في العراق إذا استثنينا الأكراد باستقلالهم العملي، ودفعت المالكي إلى سياسات طائفية أنتجت كل هذا العنف الذي تعيشه البلاد. أما الشاهد الأكبر الجديد فهو اليمن، فالحوثيون تم إلقاؤهم أيضا في محرقة، لكن الأسوأ هو أنها ورّطت جميع الأٌقليات الشيعية في المنطقة بدفعهم نحو اتخاذ مواقف من صراعات المنطقة خارج سياق الغالبية، ما جعل التعايش بينهم وبين جيرانهم صعبا إلى حد كبير.
لم تدرك إيران بغرور القوة الذي تلبسها أن الأقلية لن تعلن الحرب على الأغلبية ثم تربحها بعد هذه الصحوة من الشعوب، فكيف وهي أغلبية لها تراثها العظيم في مقارعة الغزاة من كل شكل ولون، لكنها ستدرك ذلك بعد نزيف طويل تتحمّله هي أولا، والأقليات المذكورة ثانيا، وعموم الأمة ثالثا، فيما يستفيد منه العدو الصهيوني الذي تدعي (أي إيران) معاداته، فأي عقل مجنون ذلك الذي اتخذ قرار إسناد بشار في مواجهة شعبه، فدمّر ربيع الشعوب، وقبله دعم طائفية المالكي، وها هو يضيف إلى ذلك دعم جنون الحوثيين في اليمن، بل هو من دفعهم نحو الجنون إذا أردنا الدقة؟!!
ياسر الزعاترة – الدستور