القدس العربي
في تغريدة مفاجئة أمس قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «لقد انتصرنا على تنظيم الدولة في سوريا، وهذا كان سبب وجودنا هناك خلال فترة رئاستي»، وتبعت ذلك أخبار عن قرب انسحاب القوات الأمريكية أكّدها البيت الأبيض بوضوح حين قالت الناطقة باسمه إن القوات «بدأت في التحرك إلى أرض الوطن»، فيما عبّر مسؤول أمريكي في تصريح لوكالة الأنباء رويترز عن جانب آخر عن «سرعة العملية» بالقول إن إجلاء كل موظفي الخارجية الأمريكية في سوريا سيتم خلال 24 ساعة.
ليس هذا التصريح الأول لترامب، الذي كرر منذ استلامه منصبه أنه يرغب في انسحاب كامل لقواته ليس من سوريا فقط ولكن من كل الشرق الأوسط، وفكرة الانسحاب هذه جزء أساسيّ من خطابه السياسيّ الرافض للتدخّل العسكري الأمريكي في العالم، وهو ما كان يجد معارضة من المؤسسات العسكرية والخارجية والأمنية الأمريكية التي نجحت، أكثر من مرة، في تأجيل هذا القرار. مسؤولو البنتاغون بدأوا مجددا بمحاولة إقناع ترامب بتأجيل قراره (كما تقول «نيويورك تايمز») بدعوى أنه يشكل «خيانة» لحلفائهم الأكراد، وإذا لم ينجحوا في إثنائه، هذه المرة، عن قراره، فسوف نشهد تموضعات عسكريّة وسياسية جديدة في سوريا، حيث ستحاول الأطراف الخارجية ذات الوزن، كروسيا وتركيا وإيران، أن تملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي، وهو ما ينطبق على الأطراف الداخلية أيضا، وعلى رأسها النظام والميليشيات اللبنانية والعراقية الحليفة له، وتنظيمات المعارضة المسلحة.
وإذا كان القرار منسجما مع برنامج ترامب السياسي فإن هذا لا ينفي ارتباطه بعوامل أخرى كثيرة، خارجية وداخلية. أول هذه العوامل هو «العلاقة الخاصة» التي تربط الإدارة الأمريكية بموسكو، والتي تجسّدت، بشكل فظّ، في التدخل الروسي المباشر لصالح انتخاب ترامب في انتخابات عام 2016 الرئاسية، وإذا كان هذا التدخّل يبدو مبررا كافيا لـ«مكافأة» ترامب لروسيا رغم ما سيشكّله ذاك من إحراج سياسيّ للرئيس الأمريكي، فإن الواقعية السياسية تقتضي القول إن تلك «العلاقة» هي من طبيعة أيديولوجية، فترامب، ومعسكره الأيديولوجي، برهنوا أنهم حلفاء سياسيون طبيعيون لبوتين، وهو أمر أكدته العلاقات الوثيقة لكل أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا والعالم.
لا يخلو ربط الانسحاب بالضغوط التي مارسها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على ترامب من وجاهة، غير أن هذه الضغوط تراكبت مع علاقة ترامب ومعسكره «الخاصة» بالقيادة الروسيّة، وانضافت إليها الضغوط التي شكّلتها قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والانتصار الذي حققه الحزب الديمقراطي في الكونغرس، والذي بدأ مطاردة حقيقية لترامب في القضايا العالمية والمحلّية.
الرابحان الأساسيان الظاهران للقرار (لو تمّ تطبيقه بالسرعة التي يطلبها ترامب) سيكونان روسيا، التي بدأت حشد قوات ونقل ذخائر في دير الزور (التي تحتوي حقولا نفطية كثيرة أهمها حقلا العمر والتنك)، وتركيا التي أعلنت منذ أسبوع استعدادها لعملية كبيرة للقضاء على خصومها الأكراد شرق الفرات، ولابد أن سباقا كبيراً سيجري بين هاتين القوّتين على ملء الفراغ العسكريّ الأمريكي، وهناك بوادر أيضاً لمحاولة إيران والنظام السوري استغلال الوضع ودفع قوات نحو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
أما ما الذي سيحصل لما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية» التي كانت الذراع العسكرية الأساسية الفاعلة للتحالف الدوليّ في النزاع مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وما هو سيكون موقفها من هذه «الخيانة» الأمريكية الجديدة (على حد وصف مسؤولي البنتاغون)، فأمران سيتكشفان سريعا في مقبل الأيام.
نقلاً عن: القدس العربي