رفع الروس شعار مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن غاراتهم الجوية على سوريا في معظمها لم تستهدف إلا قوى المعارضة المحسوبة في صف الاعتدال، وقتل خلالها مئات من المدنيين، مما دفع منظمات حقوقية إلى اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في سوريا.
رغم ذلك لم تقع تحولات جوهرية ميدانيا لصالح النظام السوري، أما سياسيا فقد حدث توافق دولي على إجراء محادثات بين النظام والمعارضة أواخر هذا الشهر لتطبيق خريطة طريق تؤسس لمرحلة انتقالية، لا تعرف نتائجها بدقة.
وفي برنامج خاص، حاولت الجزيرة رصد المتغيرات التي جرت على الساحة السورية بعد مرور مئة يوم على بدء التدخل العسكري الروسي المباشر فيها. وشكل هذا التدخل عبر الغارات الجوية على مواقع المعارضة السورية ذروة دعم موسكو لنظام الأسد، كما شكل مفاجأة للقوى الدولية والإقليمية، وتباينت القراءات لأهدافه وتداعياته.
الباحث في مركز كارنيغي في بيروت يزيد صايغ قال إن روسيا أرادت بتدخلها العسكري في سوريا تعزيز وضعها الدولي، ودعم جيش النظام السوري بعد أن تراجع، مشيرا إلى أن روسيا نجحت في تحقيق بعض أهدافها السياسية والعسكرية، وإن كانت في أغلبها مكاسب جزئية حققت استعادة التوازن العام، دون تحقيق خرق استراتيجي لصالح النظام.
من جهته رأى الخبير العسكري والاستراتيجي السوري عبد الناصر العايد أن التراجع الكبير الذي أصاب قوات النظام السوري دفعه للهرولة تجاه موسكو متجاوزا حليفه الرئيسي إيران. وأشار إلى أن التدخل الروسي جاء فيما يشبه التوجه العالمي لتجميد القتال ووقف الحسم لصالح أحد الأطراف.
ولفت إلى أن الهجمات العسكرية الروسية تحولت إلى عمليات روتينية بعد أن استهلكت زخمها الأولي، فبعد أكثر من ثلاثة أشهر من التدخل الروسي لم يستطع النظام السوري مدعوما بهذا التدخل والمليشيات الموالية له استعادة مدينة متوسطة، فضلا عن تحقيق تقدم استراتيجي.
لكن صايغ اختلف مع العايد في أن هناك مباركة عالمية للتدخل الروسي في سوريا، وإن أشار إلى تقاطع للمصالح العالمية في هذا التدخل. وأضاف أن من بين أهداف التدخل الروسي تعزيز الجبهة الداخلية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتابع صايغ أن روسيا قد تتخلى عن شخص رئيس النظام السوري بشار الأسد مستقبلا ضمن صيغة تحفظ ما تعده أهم مؤسسات الدولة السورية وهي القوات المسلحة، مشيرا إلى أن روسيا لم تضطر حتى اللحظة للتخلي عنه.
وقال العايد إنه إذا بقيت الأوضاع في سوريا على ما هي عليه لعام مقبل، فإننا لن نشاهد تغيرات كبيرة، لكن هذا من الممكن أن يتغير مع قدوم رئيس أميركي جديد.
أعباء اقتصادية
ويرى الباحث بمركز كارنيغي يزيد صايغ أن الكلفة الاقتصادية للتدخل الروسي في سوريا التي بلغت نحو ثلاثة مليارات دولار مقبولة قياسا بميزانية الدفاع أو بالميزانية العامة، لكن بمرور الوقت إذا ثبت أن استمرار العمليات الروسية لا يحقق أهدافها، أو إذا حققت المعارضة السورية تقدما، فإن هذا سيؤدي لزيادة التدخل لتحقيق المزيد من النتائج، وهو ما سيرفع تكلفة هذا التدخل، أو أن يكون البديل هو الانسحاب مع ما في ذلك من إحباط للمعنويات الروسية والسورية.
وأشار إلى أن التدخل الروسي بسوريا قد يعود بنفع اقتصادي عبر زيادة مبيعات الأسلحة الروسية.
وفي حين اتفق العايد على مسألة انخفاض التكلفة الاقتصادية للتدخل الروسي، أشار إلى أن تراكم هذه التكلفة مع طول أمد الحرب سيجعلها كبيرة، بالإضافة إلى أن من يخوض حربا لا يستطيع أن يحكم سيطرته على الأمور وتسييرها وفق ما خطط له، فقد تحدث مفاجآت.
حروب بوتين
ورغم تعدد الحروب التي خاضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرى صايغ أن لروسيا خصوصية، وأشار إلى أن روسيا تبعد عن الأقطار العربية ألف كيلومتر فقط، كما أن خطر التنظيمات التي توصف بالإرهابية كبير على روسيا، “فسوريا بالنسبة لروسيا جزء من صورة أكبر لصراع روسي مع الخطر الجهادي عليها”.
وقال العايد إن الغارات الجوية التي تشنها روسيا في سوريا لا يمكن أن تحقق نتائج كبيرة، مؤكدا أن الروس يدركون ذلك جيدا.
الجزيرة