أعلن رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 30 يونيو 2023 عن سحب تراخيص فريق الوكالة من إيران؛ جاء هذا القرار بعد أن رفضت إيران السماح للوكالة بالوصول إلى ثلاثة مواقع نووية لم تعلن عنها سابقًا، ويُعد هذا القرار تطورًا خطيرًا في العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد يؤدي إلى تفاقم التوتر بين إيران والمجتمع الدولي خاصة أن لدى النظام الإيراني الكثير مما يخفيه بشأن برنامجه ومنشآته النووية.
هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة بمسار العلاقة القائمة بين الغرب ووكالة الطاقة الذرية التابعة له من جهة ونظام الملالي في إيران من جهة أخرى.. أسئلةٌ نبتغي من وراء طرحها بلوغ الحقيقة وإلقاء الضوء عليها، علنا نُجيب نحن عليها أو نجد من يجيب عليها بشكل أدق وصادق خاصة بعدما سمعناه ورأيناه من التناقضات والتردي في سياسات الغرب المتناقضة.
ماذا يمكن لهذا العالم المتناقض الخاطئ المترنح في خطاياه أن يقول بعد سحب تراخيص فريق موظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ هل نظام الملالي بريءٌ حقًّا وليست لديه برامج نووية ولا نية لإنتاج سلاح نووي، ألم يمل ويتعب هذا العالم من هذه المسرحية الهزلية التي يتم بواسطتها الاستمرار في قمع الشعب الإيراني وابتزاز وتدمير وشعوب المنطقة؟
تداعيات سحب النظام الإيراني لتراخيص مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بين ما هو مُفترض وما هو واقع
1. انعدام الشفافية: إن سحب تراخيص المفتشين الدوليين من إيران خطوة تنم عن انعدام الشفافية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وهو ما يثير المخاوف بشأن نوايا النظام الإيراني الحقيقية، وما حدث في فترة ما بعد سحب التصاريح يُشيرُ إلى احتمال أن يكون هناك تواطؤ بهذا الشأن.
2. التأثير على الاتفاق النووي: من المفترض أن يؤدي سحب تراخيص المفتشين إلى تأثير سلبي على الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015، والذي يهدف إلى ضمان أن يكون برنامج إيران النووي سلميا.
3. زيادة التوتر: من المفترض أن يؤدي سحب تراخيص المفتشين إلى زيادة التوتر بين إيران والدول الأخرى، وخاصة الدول التي تشكك في نوايا إيران الحقيقية.
4. التأثير على العلاقات الدولية: من المفترض أن يؤدي سحب تراخيص المفتشين إلى تأثير سلبي على العلاقات الدولية بين النظام الإيراني والدول الأخرى خاصة الدول التي تشكك في نوايا النظام الإيراني الحقيقية.
5. التأثير على الاقتصاد: من المفترض أن يؤدي سحب تراخيص المفتشين إلى تأثير سلبي على الأوضاع السياسية للنظام الإيراني داخليًّا وخارجيًّا من خلال وضع حرس النظام ومسؤوليه على القائمة السوداء في إطار عقوبات جديدة يفرضها الغرب على نظام الملالي إن صدق بسبب هذا القرار.
6. انسحاب إيران من الاتفاق النووي: وفق هذه السياسة الغربية المُتبعة ليس مستبعدًا أن ينسحب النظام الإيراني من الاتفاق النووي وهو ما سيجعل هذا النظام في حِل من تعهداته الدولية ولذلك عواقب وخيمة جدًّا على الشعب الإيراني ودول وشعوب منطقة الشرق الأوسط (فقط) بسبب زيادة احتمالية حصول النظام الإيراني على أسلحة وقدرات نووية، وبالتالي تفاقم التوتر في المنطقة، مما يزيد من خطر اندلاع نزاع عسكري.
وجهة نظر
يُعد سحب النظام الإيراني لتراخيص فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية خطوة تنم عن انعدام الشفافية، وتطورًا خطيرًا يشير إلى أن إيران لاتزال ترفض الالتزام بتعهداتها النووية، ويزيد هذا التطور من خطر اندلاع نزاع عسكري في المنطقة، ومن احتمالية أن تحصل إيران على أسلحة نووية، وزيادة في استعراض التوتر بين ملالي إيران والدول الأخرى، أو أن يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي على العلاقات الدولية؛ لكنه قد يؤثر حتميًّا على الوضع الاقتصادي للشعب والمعيشي الإيراني. ويزيد من حدة المحنة المعيشية للشعب وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا فيه وهي غالبية الشعب.
سيناريو مسرحية وكالة الطاقة الذرية بشأن ملالي إيران ينطلي على العرب
شتان بين المسرحيتين (مسرحية الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع العراق التي كان جزءًا من الأدوات الغربية لهدم العراق؛ والمسرحية القائمة الآن لنفس الوكالة مع نظام الملالي ودورها ليس لإسقاط نظام الملالي ولكن لترويضه وترويض العرب من خلاله) ولا توجد أوجه تشابه بين المسرحيتين ولكن التشابه هنا في النوايا والمساعي ففي مسعى لجنة الطاقة الذرية بشأن العراق في حينها كانت هناك نية عدائية لهدم العراق وبالتالي إضعاف المنطقة، وقد هدموا العراق ولم يجدوا شيئًا؛ أما بشأن برنامج الملالي النووي القائم فعليًّا فمساعي اللجنة ذاتها حتى وإن تغير أفرادها ليست مساعي لهدم قدرات الملالي أو نزعها وإنما هي لإعطاء الفرصة لملالي إيران كي تتعاظم قدرتهم أمام دول المنطقة وخاصة العرب وبالتالي إضعاف العرب وإخضاعهم لمخططات بعينها وبالنتيجة المقصود هو ترويض الملالي كأدوات وإضعاف العرب، وقد كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أداة ووسيلة لخلق أسباب ومبررات غزو العراق عان 2003 وهدمه ولم تقم له قائمة منذ ذلك الحين.
وهنا على العرب أن يتعظوا من هذه الدروس والتجارب وربطها بما يجري الآن، وأن يتيقنوا تمامًا بأنه إذا ما أراد الغرب هدم المنطقة العربية فسيكون الملالي إحدى أدواتهم في ذلك.
يتوقف انطلاء سيناريو مسرحية وكالة الطاقة الذرية بشأن ملالي إيران من عدمه على العرب على ما يلي:
• مستوى وعي الجمهور العربي بالسياسة الدولية. إذ أنه كلما ارتفع مستوى وعي الجمهور العربي بمدى خطورة نظام الملالي في إيران على دول المنطقة كلما زاد احتمال فهمه لسيناريوهات ما وراء وكالة الطاقة الذرية بشأن ملالي إيران.
• موقف الحكومات العربية من إيران؛ إذا كانت الحكومات العربية تدعم موقف الولايات المتحدة والغرب من ملالي إيران فمن المرجح أن الجمهور العربي سيصدق سيناريوهات وكالة الطاقة الذرية وسينطلي عليه ما يجري خاصة وأن الإعلام العربي إعلام تسويقي لا يسعى إلى مخاطبة العقل العربي بمواد معرفية وإنما بمواد مخدرة تحقق مشاهدات وحسب.
• الخطاب الإعلامي العربي. إذا كان الخطاب الإعلامي العربي خطابًا موجهًا بشأن ما يحتويه برنامج الملالي النووي من مخاطر؛ وعدم جدية الغرب في مواجهة مشروع الملالي النووي فمن المرجح أن يفهم الجمهور العربي حقيقة سيناريوهات وكالة الطاقة الذرية.
ومن إيجابيات الإعلام الحر أن شهدنا في السنوات الأخيرة ارتفاعًا في مستوى وعي الجمهور العربي بالسياسة الدولية، ويعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل منها:
• انتشار وسائل التواصل الاجتماعي: جعلت وسائل التواصل الاجتماعي من السهل على الناس الوصول إلى المعلومات من مصادر متنوعة، بما في ذلك المصادر العربية.
• الحركات الاجتماعية العربية: أدت الحركات الاجتماعية العربية مثل ثورة 2011 والثورة في تونس وسوريا وحراك العراق ولبنان إلى زيادة الاهتمام بأمور السياسة في العالم العربي.
• الأزمات الإقليمية الدولية: أدت الأزمات الإقليمية كتلك الدائرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، والدولية كالحرب الدائرة في أوكرانيا وعلاقة الغرب بكل ذلك إلى زيادة وعي العقل العربي وفهم لواقع ما يجري في المنطقة والعالم.
يختلف موقف الحكومات العربية من إيران من بلد إلى آخر. بعض الحكومات العربية تدعم موقف الولايات المتحدة والغرب من إيران، بينما تدعم حكومات أخرى موقف إيران، ويؤثر موقف الحكومات العربية من إيران على موقف ووجهات نظر الجمهور العربي، وإن اتجه الخطاب الإعلامي العربي إلى التركيز على تهديد النظام الإيراني النووي والتسليحي والسياسي؛ فإن هذا التركيز سيعزز الرأي العام العربي القاضي بأن ملالي إيران يشكلون تهديدًا للسلم والأمن الإقليميين.
وهنا نجد أن الوعي الجمعي العربي غير المتأثر بمنطق فرضيات العلاقات الدولية مُدركٌ تمامًا لما يحوكه الغرب، وبالتالي يمكن القول إن سيناريوهات وكالة الطاقة الذرية بشأن ملالي إيران لم تنطلِ على الشعوب العربية بل انطلت على الحكومات العربية بدليل أنها لم تتخذ مواقف حازمة بشأن ذلك أو حتى مواقف مواجهة تكتيكية مناورة.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي