أبدت مصادر حقوقية معارضة تفاؤلا إزاء تحميل منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” التابعة للأمم المتحدة، للمرة الأولى، النظام السوري، مسؤولية ثلاث هجمات بالغازات السامة، في بلدة اللطامنة بريف حماة، في عام 2017.
المصادر التي تحدثت لـ”عربي21“، استبعدت أن يُترجم اتهام المنظمة للنظام السوري بحراك عسكري ضد الأخير، لكنها لم تقلل من التأثيرات المحتملة لما جرى.
ومن أهمها وفق قولها، أن اعتراف الأمم المتحدة باستخدام الأسد السلاح الكيميائي ضد شعبه، يعني قطعا للطريق على كل محاولات إعادة إنتاج النظام السوري، والاعتراف بشرعيته مجددا، على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وكان فريق تحديد المسؤولية (IIT) الذي شكلته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، للتحقيق بهجمات كيميائية في الأراضي السورية، قد أصدر الأربعاء تقريره الأول، متضمنا اتهاما للنظام السوري بالمسؤولية عن ثلاث هجمات كيميائية على بلدة اللطامنة.
وأكد منسق الفريق سانتياغو أوناتي لابوردي في بيان أن فريقه “خلص إلى وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيميائي في اللطامنة (محافظة حماة) في 24 و30 آذار/مارس 2017 والكلور في 25 مارس 2017 هم أشخاص ينتمون إلى القوات الجوية السورية”.
التبعات على النظام
من جهته، قال رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، المحامي والناشط الحقوقي السوري البارز أنور البني، لـ”عربي21“، إن التقرير الأخير صدر بعد تعديل الأمم المتحدة صلاحيات “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” القانونية، لتتضمن توجبه الاتهام لطرف بعينه، وتحميله المسؤولية، بعد أن كانت الصلاحيات السابقة تقتصر على تحديد حدوث هجوم بالأسلحة الكيميائية، من عدمه.
وأضاف أن السماح للمنظمة بتحديد الجهة الفاعلة هي نقلة جديدة في عمل المنظمة الدولية، مبينا أن “منظمة حظر الأسلحة أصدرت الاتهام للأسد بالبناء على التحقيقات، وبدأ العمل في اللطامنة، وسيكمل الفريق التحقيقات ليشمل 8 مواقع سورية أخرى تعرضت لهجوم كيمائي”.
وقال البني، إن التقرير حدد مسؤولية النظام عن الهجمات بالأدلة الموثقة، أي أن العالم الآن صار أمام حقائق، وليس أمام تخمينات واحتماليات واتهامات غير مثبتة، ما يعني قانونيا أن “التقرير صار قابلا لأن يكون قرينة أمام أي محكمة، وهذا الشيء يتيح للمحاكم الدولية أو الأوروبية استخدام النتائج كدليل يدين النظام السوري”.
والشيء الأهم، بحسب الناشط الحقوقي، أن من الممكن أن يقوم الفريق (IIT) بمشاركة نتائج التحقيق مع أي محكمة تطالب بذلك، موضحا أن “التقارير السابقة لم يكن بالمقدور مشاركتها مع أحد، باستثناء الأمم المتحدة فقط، أي يستطيع أي قضاء أن يطلع على النتائج لاستخدامها كدليل ضد النظام السوري”.
وتابع: “لم يعد أمام العالم خيار للتعامل مع النظام السوري، فالتقرير القضائي الجنائي الصادر عن فريق أممي، الذي أثبت استخدام النظام الكيميائي ضد شعبه، يضع العالم أمام خيار واحد، وهو تحديد موقفه من مرتكب هذه الجريمة”.
ومن أهم النتائج السياسية للتقرير، كما يعتقد البني، قطع الطريق على أي محاولة تبذلها روسيا لإعادة إنتاج نظام الأسد، وذهب إلى القول: “لن تستطيع لا روسيا ولا الصين ولا أي طرف عربي أو إقليمي فرض نظام الأسد من جديد”.
وعن تزامن صدور التقرير مع اقتراب موعد تفعيل قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا من الولايات المتحدة، قال البني: “نستطيع القول إن النظام السوري في نهاية المطاف ذاهب نحو طريق مسدود، العوامل تتضافر للوصول إلى نقطة محددة، أي لم يعد بالإمكان للنظام السوري الاستمرار بنهجه الإجرامي ضد الشعب السوري”.
وفي السياق ذاته، أكد البني أن موضوع استخدام السلاح الكيميائي له خصوصية على المستوى الدولي، موضحا أن “خطورة هذا النوع من السلاح تكمن في قلة تكلفته، وتوفر مواده الأولية بكثرة، ولهذا تشدد الدول على استخدامه، وتعتبره خطا أحمر، ولا تتساهل في استخدامه أبدا، نظرا للخطوة العالية التي تشكلها هذه الأسلحة على البشرية”.
واستدرك بالقول: “استسهال العالم لاستخدام الأسلحة الكيميائية، يعني إتاحة المجال أمام أي نظام مارق، أو منظمة إرهابية في العالم امتلاكه، ما يشكل تهديدا لجماعات ودول أيضا”.
ماذا بعد صدور التقرير؟
ومجيبا على هذا التساؤل، قال المتحدث باسم “مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية” في سوريا، أحمد الأحمد، لـ”عربي21” إن الخطوة اللاحقة، بعد صدور التقرير، ستكون بإحالة نسخة منه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي سيقوم بدوره بإحالته إلى مجلس الأمن.
وقال: “لا يصعب التكهن بأن صدور قرار ملزم عن مجلس الأمن لمحاسبة النظام السوري عن الجريمة سيواجه بـالفيتو الروسي”، مستدركا: “لكن التقرير سيشكل مرجعية أو آلية لبناء ملف جنائي للمحاسبة في المستقبل”.
وأوضح أن “التقرير سيكون حجر أساس لبناء الملف الجنائي، في ما يخص الجرائم المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، ما يعني أنه في حال تبدلت الظروف السياسية، فسيتم تحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، لتشكيل محكمة خاصة في سوريا، مهمتها المحاسبة على كافة الجرائم التي ارتكبت في البلاد منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011”.
محاسبة النظام
وقال الأحمد، لم نشهد مثيلا لهذا التقرير، وخصوصا تحديد المسوؤلية عن الهجمات الكيماوية، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن محاسبة نظام الأسد اقتربت، وهذا التقرير خطوة في بداية الطريق.
وأضاف: “قبل صدور التقرير، كان العالم يراوغ في مسألة استخدام السلاح الكيميائي من النظام السوري، والآن لم يعد هناك من أي حجة للإنكار أو التهرب”.
الائتلاف يرحب
من جانبه، رحب الائتلاف المعارض بتقرير فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مطالبا بتحرك دولي وفق الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي وفق ما يقتضيه القرار 2118.
وأضاف في بيان تسلمت “عربي21” نسخة منه، أنه بعد النتائج التي احتواها التقرير، فإن أعضاء مجلس الأمن الدولي المهتمين حقا بأمن العالم واستقراره، والأطراف الدولية الفاعلة، مطالبون جميعا باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المجرمين ومنع تكرار مثل هذه الجرائم.
وأضاف أن “الائتلاف أكد في مناسبات متعددة المسؤولية الكاملة للمجتمع الدولي عن ملاحقة ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وحذر من طبيعة الرسائل التي يحملها العجز الدولي المستمر إلى النظام، وإلى بقية الأنظمة الاستبدادية حول العالم، وما يشكله كل ذلك من خطر على السلم والأمن الدوليين وعلى قيمة القانون الدولي، ومستقبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية برمتها”.
ورأى أن “الموقف الدولي بعد هذا التقرير يجب أن يكون مختلفا وأكثر إدراكا لضرورة فرض تدابير عملية ضد النظام بموجب الفصل السابع، وفق ما تقتضيه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وفي سياق ردود الفعل الدولية والمحلية على التقرير، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأربعاء إن التقرير الجديد لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية يعتبر أحدث إضافة إلى “مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدلة” على أن الحكومة السورية تستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبها.
وأضاف في بيان أن واشنطن تقدر أن الحكومة السورية “تحتفظ بكميات كافية من المواد الكيماوية، لا سيما السارين والكلور، وخبرة من برنامج الأسلحة الكيماوية التقليدية لاستخدام السارين في إنتاج ونشر ذخائر من الكلور، وتطوير أسلحة كيماوية جديدة”.
نقلا عن: عربي21