نقلا عن وكالة سيريا إنديكاتور
وأنت تزور الساحل السوري، وتحديدًا في الوسط قرب جبلة، ومهما كان الاتجاه الذي تسلكه، سواء طريق القرداحة، أو جسر جبلة الثاني، على الطريق الدولي (أوتوستراد اللاذقية ـ طرطوس)، إنتبه.. أنت قرب حميميم، القاعدة الجوية الروسية التي تعرف اليوم بأنها “دولة داخل دولة”.
تحيط بالمكان حواجز المخابرات العسكرية و”أمن الدولة”، وعلى كل حاجز ليس عليك فقط إبراز البطاقة الشخصية، بل والإجابة عن أسئلة حاسمة: أين الوجهة؟، ما اسم الشخص الذي تقصده وعمله ومكان إقامته بالضبط؟، والفشل في الإجابة يعرض صاحبه لاعتقال شبه مؤكد.
الآلاف من سكان القرى المحيطة يدفعون ضريبة الزائر “المستوطن”، خلال تنقلهم وممارسة نشاطهم الاقتصادي اليومي، وحتى نومهم وصحّة أطفالهم.
لا يجرؤ أحد من السكان، أو حتى من موظفي الدولة، وصولًا لدوائرها الرسمية على انتقاد وجود القاعدة علنًا، إذ تبقى الأحاديث في السرّ، خصوصًا تلك المتعلّقة بخفايا اتفاق تسليم القاعدة للروس وملحقاتها، وأثرها القانوني.
القصة منذ البداية
حتى سنوات قريبة بقيت “حميميم” بلدة صغيرة، غير معروفة، على بعد أربعة كيلومترات شمال غرب مدينة جبلة في محافظة اللاذقية، وعام 1956 صدر قانون إنشاء مطار حميميم، وحمل رسمياً اسم مطار اللاذقية الدولي (إياتا: LTK، إيكاو: OSLK)، قبل أن يتم تغيير الاسم إلى مطار “الشهيد باسل حافظ اﻷسد”، عام 1995.
وبعد أن اختارت القوات الروسية المتدفقة إلى سوريا صيف العام 2015 المطار، وجزءاً من المناطق المحيطة به، مقراً لقاعدتها، أصبح اسم حميميم محط اهتمام عالمي، حيث القاعدة الروسية اﻷولى التي تبنى في الشرق اﻷوسط، والقاعدة العسكرية اﻷجنبية اﻷولى واﻷكبر مساحةً في سوريا، ومزوّدةً بالكثير من التقنيات العسكرية الجديدة واﻷسلحة والجنود والتغطية اﻹعلامية.
في 26 من آب 2015، جرى إبرام اتفاق بين روسيا وسوريا لإنشاء قاعدة على الأراضي السورية لفترة غير محددة لاستغلالها من طرف القوات المسلحة الروسية، وفقاً لمعاهدة “الصداقة والتعاون بين الاتحاد السوفيتي والجمهورية العربية السورية” الموقعة في 8 من تشرين الأول 1980.
بعد ذلك بعامين، واستنادًا إلى الاتفاقية السابقة، وقع الكرملين عقد إيجار جديد طويل الأجل للقاعدة مع دمشق لمدة تسعة وأربعين عاماً، وتمدد تلقائيًا لفترات لاحقة مدتها 25 عامًا، ويتم بموجبه نقل قطعة الأرض التي يقام عليها المطار إلى الملكية الروسية طيلة مدة العقد.
وجاء توقيع اتفاق نقل أرض حميميم إلى الملكية الروسية بالتزامن مع توقيع اتفاقية، تضمنت أيضا استغلال روسيا لميناء طرطوس جنوباً، لإنشاء قاعدة بحرية، وقد ترافق توقيع عقد إيجار القاعدة مع لغط كبير بأنها وُهبت من قبل دمشق لروسيا دون أي مقابل مالي، ودون توضيح رسمي من اﻷخيرة.
قاعدة حميميم تتمدد غربًا
في 24 نيسان 2020 جرى توقيع اتفاقية جديدة بناء على البروتوكول رقم 1 الموقع عام 2015، وتنص هذه الاتفاقية على نقل قطعة أرض مع مساحة مائية على الساحل السوري، في محافظة اللاذقية، قبالة قاعدة حميميم الجوية، “من أجل إنشاء واستضافة مركز طبي صحي وتأهيل لمجموعة الطيران الروسي (قاعدة حميميم)”، ويحق لروسيا، بناء على بنود العقد الجديد، إزالة عقارات وأبنية وتنفيذ عمليات هندسية وفق شروطها.
تبلغ المساحة الجديدة التي يبتلعها الاتفاق، ثماني هكتارات (80 ألف متر مربع)، وتمتد في المياه وعلى الشاطئ البري بعمق 65 إلى 150 مترًا، علمًا أن النص احتوى على ملاحق سرية حول مخططات ورسم بياني مدعّم بالإحداثيات، وهو بذلك يحدد المنطقة بدقة.
يتكهن بعض أهالي المنطقة، حول طبيعة المساحة البحرية التي سيستولي عليها الروس بعد اتفاق 30 من نيسان 2020.
ويشير أحد الناشطين في حماية البيئة البحرية في المنطقة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن القطعة البحرية ستكون على الشاطئ الرملي الفاصل بين جنوب مدينة اللاذقية وشمال مدينة جبلة، أو ما يعرف بشاطئ الشقيفات، وهذا يعني أن الإجراءات الأمنية ستنتقل إلى الرئة التي يتنفس منها سكان الساحل في القرى الممتدة في تلك المنطقة، وهو ما يتسبب بضرر اقتصادي، يوازيه ضرر بيئي، باعتبار أن المنطقة تشكل موئلًا للسلاحف البحرية، وأن إجراء إنشاءات وأبنية، مثل النوادي والمراكز الطبية سيترك اثرًا بيئيًا يزيد من الأخطار التي تتعرض لها السلاحف، والتي تراجع معدّل تعشيشها في المنطقة بشكل كبير بسبب العبث والتلوث وتجريف الرمال.
رصد التحقيق المنطقة البحرية المقابلة للقاعدة على طول ساحل مدينة اللاذقية، عبر المعاينة والأقمار الصناعية، ولم يلحظ أي تحركات لآليات أو حركة إنشائية في المنطقة عامة والمنطقة البحرية المقابلة خصوصًا.