لعبت المعارضة السورية ورقة قمار من العيار الثقيل، عندما أعلنت أنها لن تذهب إلى مفاوضات جنيف fدون أن تتحقr بعض مطالبها الإنسانية، مثل فك حصار التجويع الذي يفرضة نظام الأسد وحزب الله اللبناني على مناطق عدة في ريف دمشق مثل، مضايا والزبداني وغيرهما، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف البراميل المتفجرة والقصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين.
الهيئة العليا للمفاوضات تدرك على وجه اليقين انخفاض سقف الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من الأشقاء والأصدقاء، إن هي صعدت ورفعت سقف مطالبها، خصوصا بعد الانحياز الأمريكي الكامل لوجهة النظر الروسية والإيرانية، وهي تدرك جيدا أن الانتقال من مرحلة الدعم إلى مرحلة التبني له وعليه، وأن ضرره يصبح أكثر من نفعه في الأوقات الحرجة، إذ أنه يحد من المرونة وقابلية المناورة، فيجعلها في حدود ضيقة، لأن الضغط الذي تمارسه الدولة الراعية المتبنية سيكون حاسماً، بل سيتحول إلى ما يشبه أوامر لا مناص ولا مهرب من تنفيذها، والأخطر من ذلك هو تسهيله مهمة القوى الدولية العظمى. فقد سهل اليوم على الأمريكان ممارسة ضغوط حقيقية كبيرة على المملكة العربية السعودية لتتحول تلك الضغوط إلى المعارضة السورية بشكل تلقائي.
السؤال، لماذا دخلت الهيئة العليا للمفاوضات في هذه المقامرة الخطيرة، وهي تدرك جيداً أنها لن تحصل على أي تنازل من الطرف الآخر؟ والسؤال الأهم من هو المقصود، النظام أم الروس، أم الأمريكان، أم الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
أسباب عدة دفعت المعارضة لاتخاذ موقفها الصلب هذا، يأتي على رأسها ردة الفعل على تماهي الموقف الأمريكي مع الموقف الروسي، والصلف الكبير الذي ميز مواقف المسؤولين الروس في الأيام الأخيرة، خصوصا وزير الخارجية سيرغي لافروف، وكأنهم حسموا المعركة لصالحهم، وبعض التقدم الاستعراضي الذي حققه النظام في جبهة الساحل بعد استخدام الروس سياسة الأرض المحروقة هناك، واضطرار الثوار للتخلي عن بعض المواقع الاستراتيجية، كل ذلك ألقى ظلالا نفسية سلبية لدى جماهير الشعب السوري الداعم للثورة، فجاءت خطوة الهيئة العليا للمفاوضات لتؤكد على تمسكها بثوابت الثورة، ما أشاع جوا إيجابيا قوبل بارتياح شديد لدى غالبية السوريين. الأمر الآخر إبراز السكوت الدولي الذي يقترب من حالة التواطؤ على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام بشار الأسد بدون رادع، فالمطالبة بفك الحصار عن المناطق التي يموت أهلها جوعا، بحسب تقارير الأمم المتحدة نفسها، تسجيل رسمي لتلك الجريمة التي يشارك فيها الجميع، في خانة مجلس الأمن تحديداً. ثم الرد على الروس الذين يريدون السيطرة على المشهد السوري بشكل كامل، بالتدخل ليس في دعم نظام الأسد وحسب، بل بتشكيل وفد المعارضة أيضا، وهذا نادر الحدوث تاريخيا.. أن يتدخل الروس لصالح طرف بشار الأسد سياسياً وعسكريا وميدانياً، قد يكون مقبولاً، أما أن يتدخلوا بعد ذلك في تشكيلة وفد المعارضة فهذه حالة يندر حدوثها، وهي أسوأ بكثير من توقيع الخاسر عسكريا صك استسلامه على بياض. وأحد الأسباب هو إدراك المعارضة أن اجتماع جنيف ليس سوى حلقة من حلقات المسلسل السوري الطويل، إذ لا إرادة دولية للحل، ولا تفاهم على ماهيته وطريقته. فتصبح عملية جمع النقاط هي الأولى والأجدى عندما يحظر استعمال الضربة القاضية على جميع الأطراف.
سيكون اللعب على عامل الوقت السلاح الأقوى الذي تملكه المعارضة السورية، لأن الروس في عجالة من أمرهم، وكذلك الأمريكان. لن يستطيع الروس حسم المعركة من الجو، ولن يستطيع النظام الاحتفاظ بالمناطق العسكرية التي كسبها مؤخرا، من أجل استثمارها سياسياً على طاولة المفاوضات، كما أن تضارب الأجندات الروسية والإيرانية والأمريكية تجعل عملية الحسم لأي طرف مستحيلة.. والأمريكان كذلك في عجالة من أمرهم، لأن المسألة السورية باتت تشكل الخاصرة الرخوة لإدارة أوباما التي يهاجمه منها خصومه، حيث تخبطه وفشله فيها واضحاً. فهو يريد أن يضع القضية السورية في سكة التفاوض على الأقل ليظهر أمام الناخب الأمريكي أنه أحرز شيئا ما.
في المقابل بلغت المسألة السورية حدا من التداخل والتعقيد تخطت فيه مرحلة الصراع بين النظام والمعارضة، إلى مرحلة تداخلت فيها المعادلة السياسية بطريقة عجيبة، حيث هناك كثير من المنشقين عن النظام هم أقرب في طريقة ونمط تفكيرهم للنظام منهم للمعارضة.. هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد حلقة من برنامج “الذاكرة السياسية” مع وزير الثقافة السابق دكتور رياض نعسان الآغا، الذي بدا لي أنه انشق عن النظام تحت وطأة الرفض الأخلاقي للعنف الماحق الذي استخدمه النظام ضد الشعب السوري، بدون اعتراض يذكر على طبيعة النظام وتركيبته، لكن موقفه هذا دفعه ليلتقي في خندق واحد مع فصائل تملك أفكارا وأيديولوجيات أخرى مختلفة تماما مثل، أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهما.. كذلك انفصلت عن المعارضة شخصيات وقوى سياسية كانت تطالب بتحسينات شكلية في النظام، لكنها لا تريد تغييرات جذرية فيه. وقد ساهم المبعوث الأممي ديمستورا من خلال محاولاته ضم كل من هب ودب من شخصيات وأحزاب وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، بعضها أسس خصيصا لحضور اجتماعاته، في عمليته السياسية التي اتخذت من إدارة الأزمة لا حلها، شعارا ودستوراً لها، ساهم هو الآخر في خلط الأوراق وجعل المشهد أكثر صعوبة وتعقيداً.
في المحصلة، ليس كل العاملين على إسقاط بشار الأسد اليوم متفقين بالضرورة على المرحلة التي بعدها غداً، بل من المرجح أنهم سيختلفون، وقد يقتتلون إن لم تكن هناك رؤية وطنية للحل، وإدارة حكيمة للعلاقات الوطنية.
الهيئة العليا للمفاوضات تدرك على وجه اليقين انخفاض سقف الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من الأشقاء والأصدقاء، إن هي صعدت ورفعت سقف مطالبها، خصوصا بعد الانحياز الأمريكي الكامل لوجهة النظر الروسية والإيرانية، وهي تدرك جيدا أن الانتقال من مرحلة الدعم إلى مرحلة التبني له وعليه، وأن ضرره يصبح أكثر من نفعه في الأوقات الحرجة، إذ أنه يحد من المرونة وقابلية المناورة، فيجعلها في حدود ضيقة، لأن الضغط الذي تمارسه الدولة الراعية المتبنية سيكون حاسماً، بل سيتحول إلى ما يشبه أوامر لا مناص ولا مهرب من تنفيذها، والأخطر من ذلك هو تسهيله مهمة القوى الدولية العظمى. فقد سهل اليوم على الأمريكان ممارسة ضغوط حقيقية كبيرة على المملكة العربية السعودية لتتحول تلك الضغوط إلى المعارضة السورية بشكل تلقائي.
السؤال، لماذا دخلت الهيئة العليا للمفاوضات في هذه المقامرة الخطيرة، وهي تدرك جيداً أنها لن تحصل على أي تنازل من الطرف الآخر؟ والسؤال الأهم من هو المقصود، النظام أم الروس، أم الأمريكان، أم الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
أسباب عدة دفعت المعارضة لاتخاذ موقفها الصلب هذا، يأتي على رأسها ردة الفعل على تماهي الموقف الأمريكي مع الموقف الروسي، والصلف الكبير الذي ميز مواقف المسؤولين الروس في الأيام الأخيرة، خصوصا وزير الخارجية سيرغي لافروف، وكأنهم حسموا المعركة لصالحهم، وبعض التقدم الاستعراضي الذي حققه النظام في جبهة الساحل بعد استخدام الروس سياسة الأرض المحروقة هناك، واضطرار الثوار للتخلي عن بعض المواقع الاستراتيجية، كل ذلك ألقى ظلالا نفسية سلبية لدى جماهير الشعب السوري الداعم للثورة، فجاءت خطوة الهيئة العليا للمفاوضات لتؤكد على تمسكها بثوابت الثورة، ما أشاع جوا إيجابيا قوبل بارتياح شديد لدى غالبية السوريين. الأمر الآخر إبراز السكوت الدولي الذي يقترب من حالة التواطؤ على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام بشار الأسد بدون رادع، فالمطالبة بفك الحصار عن المناطق التي يموت أهلها جوعا، بحسب تقارير الأمم المتحدة نفسها، تسجيل رسمي لتلك الجريمة التي يشارك فيها الجميع، في خانة مجلس الأمن تحديداً. ثم الرد على الروس الذين يريدون السيطرة على المشهد السوري بشكل كامل، بالتدخل ليس في دعم نظام الأسد وحسب، بل بتشكيل وفد المعارضة أيضا، وهذا نادر الحدوث تاريخيا.. أن يتدخل الروس لصالح طرف بشار الأسد سياسياً وعسكريا وميدانياً، قد يكون مقبولاً، أما أن يتدخلوا بعد ذلك في تشكيلة وفد المعارضة فهذه حالة يندر حدوثها، وهي أسوأ بكثير من توقيع الخاسر عسكريا صك استسلامه على بياض. وأحد الأسباب هو إدراك المعارضة أن اجتماع جنيف ليس سوى حلقة من حلقات المسلسل السوري الطويل، إذ لا إرادة دولية للحل، ولا تفاهم على ماهيته وطريقته. فتصبح عملية جمع النقاط هي الأولى والأجدى عندما يحظر استعمال الضربة القاضية على جميع الأطراف.
سيكون اللعب على عامل الوقت السلاح الأقوى الذي تملكه المعارضة السورية، لأن الروس في عجالة من أمرهم، وكذلك الأمريكان. لن يستطيع الروس حسم المعركة من الجو، ولن يستطيع النظام الاحتفاظ بالمناطق العسكرية التي كسبها مؤخرا، من أجل استثمارها سياسياً على طاولة المفاوضات، كما أن تضارب الأجندات الروسية والإيرانية والأمريكية تجعل عملية الحسم لأي طرف مستحيلة.. والأمريكان كذلك في عجالة من أمرهم، لأن المسألة السورية باتت تشكل الخاصرة الرخوة لإدارة أوباما التي يهاجمه منها خصومه، حيث تخبطه وفشله فيها واضحاً. فهو يريد أن يضع القضية السورية في سكة التفاوض على الأقل ليظهر أمام الناخب الأمريكي أنه أحرز شيئا ما.
في المقابل بلغت المسألة السورية حدا من التداخل والتعقيد تخطت فيه مرحلة الصراع بين النظام والمعارضة، إلى مرحلة تداخلت فيها المعادلة السياسية بطريقة عجيبة، حيث هناك كثير من المنشقين عن النظام هم أقرب في طريقة ونمط تفكيرهم للنظام منهم للمعارضة.. هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد حلقة من برنامج “الذاكرة السياسية” مع وزير الثقافة السابق دكتور رياض نعسان الآغا، الذي بدا لي أنه انشق عن النظام تحت وطأة الرفض الأخلاقي للعنف الماحق الذي استخدمه النظام ضد الشعب السوري، بدون اعتراض يذكر على طبيعة النظام وتركيبته، لكن موقفه هذا دفعه ليلتقي في خندق واحد مع فصائل تملك أفكارا وأيديولوجيات أخرى مختلفة تماما مثل، أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهما.. كذلك انفصلت عن المعارضة شخصيات وقوى سياسية كانت تطالب بتحسينات شكلية في النظام، لكنها لا تريد تغييرات جذرية فيه. وقد ساهم المبعوث الأممي ديمستورا من خلال محاولاته ضم كل من هب ودب من شخصيات وأحزاب وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، بعضها أسس خصيصا لحضور اجتماعاته، في عمليته السياسية التي اتخذت من إدارة الأزمة لا حلها، شعارا ودستوراً لها، ساهم هو الآخر في خلط الأوراق وجعل المشهد أكثر صعوبة وتعقيداً.
في المحصلة، ليس كل العاملين على إسقاط بشار الأسد اليوم متفقين بالضرورة على المرحلة التي بعدها غداً، بل من المرجح أنهم سيختلفون، وقد يقتتلون إن لم تكن هناك رؤية وطنية للحل، وإدارة حكيمة للعلاقات الوطنية.
القدس العربي – محمود عثمان
كاتب وناشط سوري
كاتب وناشط سوري