شهدت مكتبة الإسكندرية افتتاح مؤتمر “الثقافة العربية.. استحقاقات مستقبل حائر”، والذي يشارك فيه ما يزيد على 300 مثقف مصري وعربي.
واستهل المؤتمر فعاليته بجلسة “الأدب في الوطن العربي… الواقع ورؤى المستقبل”، برئاسة الأديب الجزائري واسيني لعرج؛ الأستاذ بجامعتي السوربون والجزائر، وتحدث خلالها الكاتب والمفكر السوري محي الدين اللاذقاني عن حال الأديب في الوطن العربي، مشيرًا إلى أن العالم العربي في حالة تقلقنا جميعًا، وخاصة حالة الأديب العربي عندما يقف منبهرًا بالثقافة والحضارة الغربية، وهو ابن ثقافة وحضارة، وابن أدب مليء بالإنجازات.
وأكد اللاذقاني: إن التحدي الحقيقي للأديب العربي في هذا العصر الرقمي هو التحدي التقني؛ حيث إنه مازال الأدباء العرب لا يستخدمون التكنولوجيا، وأن المشكلة الأخرى هي وجود مجتمع لا يقرأ؛ حيث إن أرقام القراء في الربع قرن الأخير لم تتغير.
ولفت اللاذقاني إلى أن النقطة التي تثار حينما يتعلق الأمر بمواقف الأدباء من السياسيين ومن الحكم ومن السلطة هي تناقضهم، فالمثقف العربي يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة الأمة والشعب حتى ان منظومة القيم التي كان ينادي بها نجد أنه لا يلتزم بها، فبعض كبار الشعراء والمثقفين الذين كانوا ينادون في كتابتهم قبل الربيع العربي بالحرية والديمقراطية وقفوا مع الحكام المستبدين عند قيام ثورات الربيع العربي، وأغلقوا الأبواب في وجهة الديموقراطية.
ومن جانبه أشار الدكتور شعيب حليفي؛ الأستاذ بجامعة الدار البيضاء بالمغرب، إلى أن الحديث عن الثقافة والحديث عن المثقف والحديث مع المثقف وفي قضايا المثقف في هذا المؤتمر هو حديث مرتبط بالأمل، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الثقافة هي المجال الوحيد للخروج من المحن التي نعيش فيها، وهذا ليس تضخيمًا لدور الأدب والثقافة ولكنها حقيقة؛ حيث ان الكثير من مشاكلنا إذا لم تُحل ثقافيًا لن تجد السبيل إلى ذلك.
وأكد حليفي ان دور الأدب ودور المثقف في المجتمع العربي أساسي جدًا لأننا مازلنا حتى اليوم نعتقد بأن التخلف والتراجع الذي نحن فيه، والأزمات التي نعيشها هي أزمات ثقافية مرتبطة بمجال الوعي وبمجال التعليم وبمجال التحديث وبمجال الارتباط بالحداثة وعيًا وفكرًا وممارسة.
وبدوره أكد الدكتور محمد أبوشوارب؛ رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، أن أزمة الواقع الذي نعيشه الآن في الحياة الأدبية والثقافية ترتد إلى مرحلة عصر النهضة، هذه المرحلة الذي اكتشف فيها الإنسان العربي بصفة عامة والمثقف العربي بصفة خاصة أنه ربما يكون متراجعا إلى حد كبير عن اللحاق بركب الثقافة والحضارة العالمية، وفي هذه اللحظة شعر المثقف العربي بالانبهار، وهذا الانبهار هو الذي جعله يقف في مرحلة تالية، ويكون بالاستمرار رد فعل، ويكون دائمًا ملاحقًا للمنتج الثقافي الغربي.
وأشار أبوشوارب إلى أننا نهمل فكرة التواصل مع المتلقي، وإهمال هذه الفكرة ربما يؤثر تأثيرًا كبيرًا في انحصار الرقعة التي نتعامل معها، وأنه لا بد أن نفكر في حل العزلة الكبيرة التي يعيش فيها المثقف العربي داخل مدينته وربما داخل منزله قبل أن نفكر في الأيديولوجيات والانتصارات، وأنه يجب علينا أيضًا أن نفكر في كيفية استعادة مستهلك الثقافة العربية.
وتحت عنوان “الصحافة والإعلام والثقافة المعاصرة” أُقيمت الجلسة الثانية برئاسة الدكتور محمد السنعوسي؛ وزير الإعلام السابق بدولة الكويت، وتحدثت خلالها الدكتورة خديجة عبدالله؛ عضو المكتب التنفيذي لشبكة الصحفيات الموريتانيات عن الثقافة العربية والإعلام الجديد مشيرة إلى أن العالم شهد في السنوات الأخيرة جملة من التحديات المعلوماتية ذات الأبعاد المختلفة التي ساعدت على ظهور ما يعرف بالإعلام الجديد، والذي يتمثل في البث المباشر عبر الفضاء والهاتف المحمول وتطبيقات شبكة الإنترنت الذي أدى إلى الانكشاف الثقافي للمجتمعات العربية.
وأكدت الدكتورة خديجة عبدالله أن واقع العالم اليوم يجعل مهمة المثقف تمامًا كالإعلامي توعية وتنويرًا واختيارًا وتثقيفًا، فالصحفي مرتبط بميثاق شرف يحتم عليه المهنية والصدق في عمله بينما المثقف في حل من هذا الالتزام لكنه في الواقع يقع تحت طائلة الضمير والانتماء والمواطنة.
ومن جانبه أكد الإعلامي المصري جمال الشاعر، على أن الإعلام تعامل مع المواطنين بمنطق كائنات ناقصة الأهلية وليس لها أي تفاعل، وأن الضحية هنا هو المشاهد مضيفًا أن المشكلة ما بين السلطة السياسية والمال وسلطة الإعلاميين، وشهوة السبق الإعلامي قد تؤدي إلى كوارث.
ولفت الشاعر إلى أن المشاهد هو الضحية لأن رأس المال أقوى من السلطة السياسية، والوكالات الإعلانية متحكمة في المحتوى، وأنه لا بد من الإصلاح السياسي والتشريعي لضمان حرية التعبير، ومحاربة الكيانات الاحتكارية، وتحكم المعلنين في المحتوى، وولاء الإعلاميين للوكالات الإعلانية.
وبدورها أشارت الأديبة الجزائرية ندى مهري إلى أن وسائل الإعلام باتت تساهم وبقوة في تشكيل المواقف وآراء المجتمع تجاه القضايا المختلفة التي تواجه الأمة في ترسيخ قيم النظام الاجتماعي ولها دورها الاستراتيجي في تعميق الخلاف أو في تقريب وجهات النظر ومد الجسور بين الشعوب والتعريف بها وبتاريخها بما يعزز التفاهم بين الثقافات على نحو أفضل.
وأكدت مهري أن الإعلام العربي إعلامًا غاضبًا لأنه يترجم صورة الاحتقان المجتمعي الذي ينتمي اليه في جميع المجالات وابتعد عن الدور الاستراتيجي المتمثل في التوعية والتنوير في الفترة العاتمة التي تمر بها الأوطان، وأهمل أن يكون منحازًا للموضوعية التي توقظ المجتمع بكافة أطيافه وتحثه على التكاتف بدل التهويل وصناعة حماسة التفرق لتشويش وشحن المتلقي.
وأوصت مهري في نهاية حديثها بإعداد استراتيجية إعلامية كاملة الأركان؛ لخلق خطاب إعلامي صديق للتنوع الثقافي وللحوار، ويشجع على التواصل وقبول الآخر من أجل خلق مجتمع متماسك وشريك اساسي في عملية التنمية والبناء.
وأكد وائل السمري؛ رئيس القسم الثقافي بجريدة اليوم السابع، على أن المثقفين والصحف الثقافية سجنوا انفسهم في الشعر والرواية، وأصبحوا يقدمون سلعة لا يتناولها إلا هم، مضيفًا أن الثقافة في المجتمع لا تتوقف عند هذه المنتجات فحسب فهي تتدخل في التاريخ والاقتصاد والدين؛ حيث إن الدين جزء من الثقافة.
وأشار السمري إلى أن معظم المثقفين العرب غرقوا في استلهام النظريات الأوروبية، وأسهم هذا الغرق في البعد عن الناس فسار البعد أكبر وأكبر، وأصبح هناك فجوة كبيرة بينهم وبين المتلقي، ويجب عليهم أن يقدموا خدمات ثقافية تخاطب الجمهور بلغة يفهمها؛ فيتعمقوا في العمل الثقافي وتقلل الفجوة بينهم وبين الجمهور.
ميدل ايست أونلاين