“الناس تفيق من الصدمة لكن الجرح لا يندمل، بل يورث للأبناء”، هذا ما قاله الكاتب الأسترالي الفائز بجائزة مان بوكر ريتشارد فلاناغان في مقابلة مع إحدى الصحف البريطانية، كان الكاتب يتحدث عن مأساة تجربة والده في معسكر للاعتقال الياباني التي دامت بضعة أعوام، لكنه كان كمن قرأ قدر الفلسطينيين وأبنائهم في مخيمات اللاجئين الذين مضى على وجودهم 68 عاماً.
بالنسبة إلى أولئك المنكوبين، لم يعد هذا الجرح واقعاً أليماً، يستحضرون من الذاكرة حسرة آبائهم، وعذاباتهم المنسية، وحنينهم للعودة إلى كروم العنب وأشجار البرتقال، فيما هم يعيشون في الفقر والإذلال اليومي في مخيمات اللاجئين، بل تحول هذا الواقع إلى لعنة باتت تلاحقهم أينما حلوا.
والحال أنه ما إن خرج الفلسطينيون من بلادهم، حتى أصبح مصيرهم مرتبطاً بمصير السكان في بلاد اللجوء. وفي لبنان كان للفلسطينيين نصيبهم في الحرب الأهلية، وقد ترجمت تلك بمجازر في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، ثم بتدمير لمخيم نهر البارد، وفي سوريا والعراق أيضاً كما في لبنان، كان من الصعوبة فصل أوضاع الفلسطينيين عن المأساة التي حلت في هذين البلدين، وقد دفع ثمنها في كل مرة أبناء المخيمات جوعاً وحصاراً وقصفاً وتشريداً، وطبعاً كان للمواقف الفلسطينية والانقسامات بين الفصائل النصيب الوافي في زيادة معاناتهم.
وكأن مأساة سكان مخيم اليرموك التي يعيشها منذ سنوات ليست كافية، فقد دخل إلى المخيم تنظيم “داعش” أخيراً منكلاً بالسكان الجوعى والمحاصرين، قاطعاً رؤوس كل من طوعت له نفسه أن يتحدى أفكاره، فوقع سكان المخيم وسط معارك لا تزال تحصد أرواح المدنيين في ظروف تحدثت الأمم المتحدة بأنها أقل من إنسانية، ولتبدأ حركة نزوح جديدة تحت القنص والقصف في معركة ستقضي على المخيم الفلسطيني الأخير في سوريا بعد أن تم تدمير المخيمات الأخرى.
ومن قال إن مخيمات لبنان بعيدة عن مخاطر مشابهة، مع ما أفيد أخيراً عن لجوء تنظيم “داعش” إلى مخيم عين الحلوة، ورفعه راياته السود في مقابل الأعلام الفلسطينية. إنها مأساة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تنتهي فصولاً منذ أن طردوا من أراضيهم، ينتظرون بصبر وعناد تطبيق القرارات الدولية، لكي يعودوا إلى ديارهم.
نهى حوّا – البيان