ما هي الدولة التي ستخرج ظافرة في عالم ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد؟ سؤال طرحه خبير إستراتيجي دولي بمجال الاستثمار، وذلك في مقال بصحيفة نيويورك تايمز.
يقول روشير شارما كبير الإستراتيجيين العالميين، رئيس فريق الأسواق الناشئة بالأسهم في بنك مورغان ستانلي الأميركي لإدارة الاستثمار، إن قوة اقتصادية غربية كبرى تصدت للجائحة في وقت مبكر رغم أن الفيروس القاتل حل بها متأخرا.
وبدلا من إنكار تفشي الوباء فيها والتلكؤ في مواجهته، كانت تلك الدولة مستعدة له بإجراء الفحوصات وتعقب المخالطين لمن أصيبوا بالعدوى مما حدَّ من معدل الوفيات فيها مقارنة بأي دولة صناعية غربية أخرى.
وقد استلزم احتواء الفيروس إغلاق تلك الدولة -التي يتحدث عنها المقال- لفترة وجيزة مما ساهم في تقليص نسبة البطالة فيها إلى 6% فقط، فكان أن قفزت شعبية زعيمتها بشكل كبير لتبلغ 70% بعد أن كانت 40% فقط.
ووفقا لكاتب المقال، فقد أدى انتشار جائحة فيروس كورونا إلى تسارع وتيرة انكفاء اقتصاديات الدول على نفسها، والتي كانت قد بدأت مع الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وكانت النتيجة أن تولت الحكومات زمام الأمور على نحو متزايد في كل مناحي الحياة الاقتصادية، وقد تفاقمت الديون العامة من أجل الحفاظ على استمرار النمو، وفُرضت قيود جديدة على التجارة العالمية والهجرة. وحده الجانب الافتراضي من الاقتصاد العالمي الذي يشهد ازدهارا حاليا حيث يتولى الناس تصريف أعمالهم ويتسوقون عبر شبكة الإنترنت.
فما هي الدول التي ستزدهر في ظل هذا المشهد الاقتصادي المستجد؟ يتساءل روشير شارما قبل أن يستطرد قائلا إن دولا مثل الولايات المتحدة والصين -رغم هيمنتها التقنية- زادت ديونها على نحو سريع واتُّهمت حكوماتها بسوء التصرف حيال الجائحة.
وأشاد الكاتب بتعامل كل من فيتنام وروسيا مع فيروس كورونا المستجد، واصفا الأولى بالقوة الناشئة في مجال الصادرات، والثانية بتبني نهج دفاعي قائم على إغلاق البلاد تفاديا للضغوط المالية الأجنبية.
غير أن الدولة -التي يرجح شارما أنها ستكون أكبر الرابحين في عالم ما بعد فيروس كورونا المستجد- هي ألمانيا. فقد سلطت استجابتها للجائحة الضوء على مكامن قوتها الموجودة سلفا والمتمثلة في حكومة فعالة، وديون منخفضة، وسمعة اكتسبتها من تميزها الصناعي الذي يحمي صادراتها في وقت تشهد فيه التجارة العالمية تراجعا، وقدرة متزايدة على استحداث شركات تكنولوجيا محلية في عالم طالما هيمنت عليه شركات الإنترنت الأميركية والصينية العملاقة.
وبينما الدول الأخرى تنتابها مخاوف من أن يصبح تسريح العمال ظاهرة دائمة، فإن معظم العاملين بألمانيا بقوا في جداول الرواتب والأجور بفضل نظام العمل قصير الأجل الذي تتبعه الدولة للتأمين ضد البطالة بموافقة الموظفين المدنيين أو بإجبارهم على قبول خفض في وقت العمل والأجور.
سياسة ميركل
ويشير مقال نيويورك تايمز بهذا الصدد إلى السياسة الاقتصادية التي ظلت تنتهجها حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مما ساهم في ارتفاع شعبيتها لدى المواطنين.
وقد درجت حكومة ميركل على التنسيق مع كل الولايات من أجل احتواء الجائحة، ومع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بغية إنشاء صندوق لإنعاش اقتصاديات الدول الأشد تعرضا للفيروس.
وتمكنت ألمانيا بفضل تمتعها بفوائض مالية من دعم اقتصادها فترة الإغلاق أثناء تفشي الجائحة، وذلك بتخصيص مبالغ مالية تدفع مباشرة للعائلات، وخفض الضرائب، وتقديم قروض للشركات، ومساعدات أخرى تقدر بنحو 55% من إجمالي الناتج المحلي مما يزيد أربع مرات تقريبا عن حزمة الإنقاذ بالولايات المتحدة.
كما أظهرت قدرتها بقبولها لأول مرة تقديم مساعدات تحفيز في حالات الطوارئ لبلدان الجوار. واعتبر كاتب المقال تلك الخطوة من جانب برلين بالحكيمة والسخية، ذلك لأنها جعلت تلك الدول في وضع أفضل يُمكِّنها من شراء البضائع الألمانية.
أما المشككون فيقولون إن ألمانيا باتت اليوم تعتمد بشكل خطير على صادراتها الصناعية -لا سيما إلى الصين- في زمن تشهد فيه التجارة العالمية تباطؤاً.
غير أن الكاتب يرد بالقول إن ألمانيا منهمكة الآن في تحديث شركاتها القيادية، مثل شركات تصنيع السيارات الرائدة، وتعمل جاهدة على أن تصبح قوة تكنولوجية تنافسية فتخصص أموالا لقطاع البحث والتطوير تضاهي ما تنفقه الولايات المتحدة (حوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي). كما تتضمن خطة الإنقاذ الاقتصادي الألمانية تخصيص 56 مليار دولار للشركات الناشئة لتمكينها من رقمنة الصناعات التقليدية باستخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة الأخرى.
نقلا عن الجزيرة