نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، تقريرا حول زيارتها بعض المغاربة الذين كانوا قد التحقوا بصفوف تنظيم الدولة ثم عادوا إلى بلادهم، قالت فيه إن أغلب هؤلاء لا يزالون مقتنعين بالإيدولوجيا التي يتبناها التنظيم، ولكنهم فضلوا الهروب بسبب سوء الأوضاع، وبشاعة الجرائم التي يرتكبها.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21“، إن المخابرات المغربية تقدر أن حوالي 1500 مغربي التحقوا بالمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في سوريا والعراق، “وإلى حد الآن لم يرجع منهم إلا بعض التائبين الذي وجدوا السجن في انتظارهم، وقد تراوحت دوافع عودة هؤلاء بين الخوف وخيبة الأمل، بعد أن اصطدموا بالفرق بين الدعاية التي يبثها التنظيم، وبين الواقع الميداني في معاقله”.
وتحدثت الصحيفة عن “أبو إلياس” الذي مر من الجهاد الالكتروني عبر منصات دعاية تنظيم الدولة؛ إلى الالتحاق الفعلي بصفوف التنظيم، فقد كان يقوم بـ”الدعوة” لفائدة تنظيم القاعدة إبان الغزو الأمريكي للعراق، ثم عمل على تشجيع الشباب على الهجرة إلى سوريا، وانتقل إلى مساندة تنظيم الدولة، لأن هذا الأخير “قدم للمقاتلين فرصة الالتحاق بمساحة جغرافية خاصة بهم، والحصول على مكانة اجتماعية، وامتيازات مادية”، وهو ما دفع هذا المحاسب المالي السابق إلى الانتقال برفقة زوجته وأبنائه الثلاثة للعيش في مدينة الرقة، حيث أهدى له التنظيم في البداية منزلا وسيارة رباعية الدفع، ومنحه مرتبا ثابتا، وقدم له أيضا الفرصة لتحقيق رغبته في “محاربة الشيعة”.
ويقول أبو إلياس إن “تنظيم الدولة كلفه في البداية بالعمل في المحاكم الشرعية بالرقة، ثم العمل ضمن فرق الدعاية التي تقوم بتصوير عمليات التنظيم؛ من إعدامات جماعية، وبتر للأطراف، ورجم”.
وخلال هذا اللقاء الذي تمكنت “لوفيغارو” من إجرائه مع “أبو إلياس” بموافقة من السلطات المغربية؛ أشار هذا المقاتل السابق في صفوف تنظيم الدولة إلى وجود أشياء غامضة تحدث في داخل التنظيم، حيث إن “الارتياب والغموض يحوم حول العلاقات، ويمثل الجانب الأمني هوسا مستمرا لأعضائه”.
وذكر أبو إلياس في هذا السياق أن الاجتماعات بين قادة التنظيم وتقديم التعليمات؛ يتم بطريقة أشبه بأفلام الأكشن، حيث إنه شارك في بعض هذه الاجتماعات السرية التي تمت في أماكن غير معروفة، وكان أغلب الحاضرين في هذه الاجتماعات يلبسون الأقنعة حتى لا يتعرف عليهم أحد حتى من المجتمعين معهم.
وأوضح أن ما أثار حفيظته في داخل التنظيم؛ هو “الإفراط في استعمال العنف ضد أشخاص لا يفهمون شيئا من عقيدة التنظيم، حيث إنه يسارع لتنفيذ الحدود والعقوبات في المناطق التي يفرض سيطرته عليها، دون المرور بفترة انتقالية يقوم فيها بتعليم الناس وتوعيتهم بالقوانين الجديدة، والأسوأ من ذلك هو أن بعض المسؤولين في التنظيم يتناقض كلامهم في العلن مع تصرفاتهم في السر، كما لو أنهم غير مقتنعين بما يفرضونه على الناس”.
وانتقد أبو إلياس تكفير التنظيم لكل مخالفيه، واعتبر أن قتل الكفار ليس أمرا مرفوضا بالنسبة له، ولكن المشكل أن التنظيم يكفر كل المنظمات والتيارات التي تخالفه الرأي حتى لو كانت من المسلمين، وهذا ما دفعه في النهاية إلى المغادرة.
كما تحدثت الصحيفة إلى شاب آخر يدعى أبو محمد، قال إنه عند وصوله إلى سوريا تلقى تدريبا عسكريا وبعض الدروس حول إيديولوجيا التنظيم في مجموعة تضم 400 متطوع، ثم تطوع 20 منهم للقيام بعمليات انتحارية، أما هو فقد تم توجيهه لصفوف التنظيم في ديالى بشمال بغداد، “ولكن حماسه سرعان ما اختفى بسبب صعوبة الظروف، وتشدد وهمجية مقاتلي التنظيم في العراق”.
وقال أبو محمد إن التنظيم تفطن إلى اتصاله بوالديه وتفكيره في العودة إلى بلاده، فقام بوضعه تحت المراقبة، واعتبر أنه من الذين أداروا ظهورهم للقتال، ولكنه نجح في النهاية في مغالطة من يراقبونه، وهرب مع مجموعة من المنشقين من تركيا وروسيا والبوسنة والصومال وفنلندا.
ويعتبر أبو محمد أن أكثر شيء دفعه لمغادرة صفوف التنظيم؛ هو أن قادة التنظيم لا يثقون في أي أحد حتى من المقربين منهم، وهذه الأجواء لم تشجعه على البقاء.
أما فاروق البالغ من العمر 20 عاما، الذي كان يشتغل كعامل يومي في المغرب قبل المغادرة؛ فقد قال أثناء مقابلته في السجن، إنه وقع في شراك تنظيم الدولة بعد أن تأثر بدعايته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، “وظن أن العيش تحت رايته يعني العيش في النعيم، ولكن كثيرين مثله من الذين ذهبوا لسوريا والعراق؛ ندموا ووجدوا أنفسهم عالقين في سجن كبير”.
وقال فاروق إنه يعرف بريطانيا من أصول هندية؛ متزوج من امرأة إنجليزية، وعربيا متزوجا من أمريكية، وزوجين فلبينيين لديهما سبعة أطفال، وقد ندموا كلهم بعد وصولهم بساعة واحدة؛ لأن الواقع كان بعيدا جدا عما كانوا ينتظرونه.
وفي الختام؛ قالت الصحيفة إن هؤلاء الثلاثة، مثل كثيرين غيرهم، التحقوا بصفوف تنظيم الدولة سعيا وراء الحياة المثالية، وفي النهاية وجدوا أنفسهم مضطرين للعودة إلى بلدانهم، رغم ما ينتظرهم من تبعات قانونية، مشيرة إلى “أبو إلياس” الذي لا يزال متمسكا بالفكر “السلفي الجهادي” يتوقع أن تنظيم الدولة سيختفي في المستقبل.
عربي 21