على الرغم من التصريحات التركية المتعدّدة، وجديدها تصريح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن عملية درع الفرات ماضية في تحقيق هدفها المتمثل بتطهير مدينة الباب السورية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن المعارك الأخيرة في العملية ومرحلتها الثالثة تفيد بأن الهيمنة على الباب أصعب وأكثر تعقيدا مما تبديه التصريحات التركية.
تشكل المدينة المعقل الأهم للتنظيم في حلب وقلعته الرئيسة، وليس من السهولة اختراقها، والمعطيات التي سمحت لفصائل الجيش السوري الحر بدعم تركيا لن تكون متوفرةً في معركة الباب، لسبب رئيسي، هو أن الجيش الحر ليس بالقوة الكافية لاختراق المدينة من جهة، ولن يحصل على الدعم المدفعي التركي الذي حصل عليه في المناطق الأخرى، بسبب بعد المدينة عن الحدود التركية من جهة ثانية. كما أن المدينة تقع في نقطة تماس تطل عليها قوات النظام من الجنوب وقوات النظام و”قوات سورية الديمقراطية” من الغرب، وستضع السيطرة عليها من “الجيش الحر” الأخير في مواجهةٍ مع النظام والأكراد، وهي معركةٌ لن يكون بمقدوره النجاح فيها، نظرا لاختلال القوة العسكرية.
كما أن النظام السوري وروسيا لن يسمحا باستبدال السيطرة على المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية إلى الجيش الحر، خصوصا في هذه المرحلة التي يتم التركيز فيها على مدينة حلب. بعبارةٍ أخرى، لا تسمح قواعد الميدان التي تحاول موسكو فرضها في حلب ترك ظهر قوات النظام مكشوفاً من الجهة الشرقية. والسيناريوهات المطروحة عديدة:
ـ تفاهم تركي/ روسي، مفاده السماح للجيش الحر بالسيطرة على الباب، شرط عدم محاربة قوات النظام، ولا القوات الكردية، وهذا مستبعد، لأن مثل هذا التفاهم يتطلب ضوءا أخضر أميركياً، مرتبطاً بالتفاهم الدولي على المدينة، ودورها في معركة الرقة المقبلة.
إما أن تعطى الباب لحلفاء تركيا، شرط ابتعادها عن معركة الرقة، أو أن تترك المدينة للنظام والأكراد في مقابل المشاركة في معركة الرقة، لا سيما أن الباب، بالمعنى العسكري، خارج دائرة العمق الاستراتيجي لتركيا.
ـ سيطرة النظام على المدينة، وهذا مستبعد الآن في ظل تركيزه على مدينة حلب التي تشكل عنوان الصراع في هذه المرحلة، وبيضة القبان التي ستؤدي إلى تغيير المشهد العسكري في المحافظة، وبالتالي، في عموم المشهد الميداني لشمالي غرب سورية. كما أن السيطرة على المدينة تمنح قوات النظام التحرك بسهولة نحو الشرق والجنوب الشرقي عند الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. وعندها، يمكن التمهيد لمعركة الطبقة، ومن دون تحييد مدينة الباب سيبدو من الصعوبة بمكان فتح معركة الطبقة.
ـ ترك المدينة للأكراد، وتحديدا لـ “قوات سورية الديمقراطية”، لكن هذا السيناريو يواجه عقبتين، الأولى من تركيا التي تطالب بانسحاب القوات الكردية إلى شرق الفرات، وترفض أي محاولةٍ لامتداد جغرافي، يمتد من منبج شرقا إلى عفرين غرباً، مرورا بالباب التي ستكون بمثابة عقدة الوصل هذه.
والعقبة الثانية، ولكن الأقل أهمية، مرتبطة بالنظام الذي يحاول تأجيل معركة الباب، إلى حين استكمال الوضع في مدينة حلب، ولا يفضل، وإنْ لا يمانع إذا اقتضى الأمر، من سيطرة الأكراد على المدينة.
ولدى الأكراد مصلحة حقيقية في أخذ مدينة الباب، ليس بسبب أهميتها صلة وصل بين الكانتونات الكردية في غرب الفرات وشرقه، وإنما للاستعاضة بها عن مدينة منبج التي تمارس أنقرة ضغوطا كبيرة، من أجل إخلائها من الأكراد.
ـ يتمثل السيناريو الأخير في اتفاق جميع الفرقاء على تأجيل معركة الباب نهائياً، خشيةً من أن يؤدي فتحها الآن إلى تداخل في قواعد الاشتباك، ليس لأحد الآن مصلحة في تغييرها، فبالنسبة لأنقرة الأولوية في السيطرة على القرى والبلدات على الشريط الحدودي في محيط بلدة الراعي وإلى الجنوب نحو دابق ومحيطها. وبالنسبة للنظام، لا شيء يعادل الآن في الأهمية مثلما تشكله مدينة حلب.
وبالنسبة لتركيا، لن تخاطر بفتح هذه المعركة من جهة واحدةٍ، بعد تقاربها مع موسكو، وبالنسبة للأخيرة، ليست في وارد السماح للأكراد بالانقضاض على الباب، لاعتبار المصلحة التركية. وطالما أن معركة الرقة مؤجلة، فإن معركة الباب ستكون مؤجلةً أيضا، لأن واشنطن ستكون مجبرةً على الاختيار بين قرارين: دعم تقدم “قوّات سورية الديمقراطية” للاستيلاء على المدينة والمجازفة بعداوة تركيا، أو السماح للقوى المدعومة من تركيا بالتقدّم نحو المدينة، والمجازفة بعداوة الأكراد والروس على السواء.
العربي الجديد – حسين عبد العزيز