كشفت الصحفية اللبنانية الشيعية بتول الحسيني عن محاولات حركة حزب الله استقطاب شبان من قرى الجنوب السنيّة؛ بهدف إبعاد تهمة الطائفية عن الحزب، الذي ضحّى بالمئات من عناصره في معارك سوريا ضد الثوار.
حيث يشترك الحزب مع مليشيات شيعية من إيران، وأفغانستان، والعراق، وغيرها، بجانب نظام الأسد.
وفي تحقيق استقصائي تم نشره عبر ثلاث حلقات في موقع “جنوبية” الشيعي المعارض لسياسات حزب الله، كشفت بتول الحسيني عن الطرق التي استخدمها الحزب في جرّ شبان سنّة للالتحاق بصفوفه، من قرى الجنوب السنيّة، “شبعا، وكفرشوبا، والهبارية، وكفر حمام، الوزاني، وحلتا”.
ونوّه التحقيق إلى أن “حزب الله لم يستطع، خلال الفترات الزمنية التي تلت تحرير الجنوب، أن يخترق هذه القرى السنيّة إلا في حالات نادرة، إلا أن الأمور تغيّرت بعد التعثرات المالية التي مني بها تيار المستقبل منذ العام 2008؛ حيث إن الشيخ سعد الحريري كان يرعى تلك القرى”.
تلك القرى التي يُطلق عليها مسمى “العرقوب”، كانت شاهدة -بحسب التحقيق- على معضلة واجهت حزب الله، تكمن في خسارته الانتخابات البرلمانية فيها عامي 2005 و2009، “فهذه المنطقة لا يمكن اتهام أهلها بالعمالة لإسرائيل، كونها أم المقاومة وحامية القضية الفلسطينية؛ نظرا لما قدمته من دعم لحركة المقاومة الفلسطينية. إضافة إلى أن ياسر عرفات نفسه أمضى بين قراها وجبالها فترة طويلة بين فدائييه والمقاتلين الذين تطوعوا من أبنائها لأجل فلسطين”.
وذهب التحقيق إلى أبعد من ذلك، قائلا إن “مقاومة العرقوب شكلّت تاريخا مجيدا مستقلا عن حزب الله، من دعمها القضية الفلسطينية، وصولا إلى صمودها الأبي أمام الغزو الإسرائيلي المتكرر وطيرانه الحربي الذي كان يستهدفها بغاراته، بسبب عناد أبنائها ومقاومتهم، حتى قبل إنشاء حزب الله”.
وبالدخول إلى لبّ التحقيق، قالت الصحفية بتول الحسيني إن “حزب الله تمكن من اختراق التركيبة السنية المهيمنة على هذه القرى، بالخدمات وتجنيد بعض الشبان في مؤسسات تابعة له في الفترة بين عام 2000 – 2005.
وتابع التحقيق قائلا: “اتضح للأهالي في وقت لاحق أنّ من ناصر الحزب من أبنائهم وانضم إليه لقاء راتب شهري إنما هو في الواقع قد تحوّل وأفراد عائلته عن المذهب السني إلى الشيعي، وهذا شكّل ارتدادا لم تشهده قرى العرقوب من قبل، فاليوم يقال إنّ ثلث بلدة كفرشوبا باتوا متشيّعين، أو منتسبين مباشرة إلى حزب الله”.
التحقيق قال إن اغتيال رفيق الحريري، ودخول حزب الله في الحرب بسوريا إلى جانب نظام الأسد، سبّب ردّة فعل عكسية لدى أهالي القرى السنيّة تجاه الحزب، ما دفع الأخير للبحث عن استراتيجية مختلفة للهيمنة على هذه القرى، وبدأت هذه العملية تنتج أرباحا صافية، عبر ما يُسمّى بـ”السرايا”.
وقال التحقيق إن حزب الله بدأ يسوّق عبر إعلامه أن أهالي القرى السنيّة في الجنوب يدعمون الإرهاب، وذلك بسبب احتضان تلك القرى للاجئين السوريين، حتّى تخطى عدد النازحين في قراها عدد سكّانها، وهذا ما صرّحت به مصادر بلدياتها رسميا.
وكشف التحقيق أن “حزب الله سعى إلى تحويل قرى الجنوب السنيّة إلى طرابلس ثانية، تخوفا من أن تتحول هي إلى عرسال ثانية”، مضيفا: “هاجس العرسلة كان مخيفا جدا، فعرسال البقاعية تختلف عن العرقوب، العرقوب يقبض على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة من جهة، ويتاخم القرى الشيعية المحاذية لإسرائيل من جهة ثانية. وبالتالي هنا يكمن بنك الحيثية الحقيقية التي تبدأ من بنت جبيل وتصل إلى طهران، وكلّ العمل جرى لوصل هذا الجنوب بالبقاع فسوريا الأسد، كيف إذا يمكن التفريط بخلخلة الأمن هنا”.
وعاد التحقيق لربط توغل حزب الله في تلك القرى بالأزمة المالية التي يمر بها تيار المستقبل، قائلا إن “الحزب وجد في ذلك ثغرة أساسية مكّنته من التسلّل إلى تلك البيئة، وآخر الأمثلة على ذلك جولات تقوم بها شبه مستشفيات متنقّلة تابعة لحزب الله، باسم (الهيئة الصحية الإسلامية) لتطبيب وعلاج اللبنانيين والسوريين”.
وأضاف التحقيق: “كل ما استطاع معارضو حزب الله فعله هو منع عشرات الشبان في كل قرية، التابعين للسرايا، من رفع أعلام الحزب في القرية”.
ونقل موقع “جنوبية” عن مصدر من داخل قرية الهبارية السنيّة قوله إن “عدد المنضمّين إلى سرايا حزب الله يقارب المئة، علما أن الهبارية من القرى الصغيرة، فكيف ببلدة مثل شبعا؟ أما في كفرشوبا، فنجد أن ثلث سكانها تشيّعوا، وثلث آخر يقاتل في تنظيمات حليفة لحزب الله، و10 بالمئة من شبابها مع السرايا”.
وسيلة أخرى يجذب فيها حزب الله الشباب السنّة، وفقا للتحقيق، هي أن “الحزب الله يتسلل إلى البيئات السنية، ويقنع الأهالي أنّه سيساعدهم على التصدّي ويحميهم من الإرهاب المتمثل في جبهة النصرة وداعش”.
وأكمل: “في الأشهر الماضية عمدت السرايا، التي أسّسها حزب الله في العام 2008 لتجنيد شباب السنّة، إلى مضاعفة أعداد عناصرها في قرى العرقوب، فاستدرجت أوّلا بعض العاطلين عن العمل وبعض أصحاب السوابق، ممن يحتاجون إلى حماية وتخليص أوراق ومعاملات وسند في مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية”.
وكشف التحقيق -على لسان أحد الناشطين في قرى العرقوب السنيّة- أنه تم بالفعل إرسال بعض الشباب السنة للقتال في صفوف حزب الله بسوريا، وقُتل العديد منهم بعدما تم غسل أدمغتهم من قبل عدد من الشيوخ، على رأسهم ماهر حمود، وفقا لما نقله موقع “جنوبية”.
وبالرغم من ذلك، قال التحقيق إن “حزب الله لا ينقصه مقاتلون، ومهمّة الشباب السنّة الذين يتم تجنيدهم في قراهم هي اجتماعية، وسياسية، وإعلامية، مع إغرائهم بوظائف في مؤسسات، أو فتح أعمال مهنية لهم”.
ولخّص التحقيق نوعيات المنضمين إلى ما يسمى “سرايا المقاومة” التابعة لحزب الله، بالقول إن “غالبيتهم من قدامة الناصريين والقوميين، ولهم وظيفتان أساسيتان، هما: توسيع البيئة الحاضنة للحزب، وخلق ماكينة بشرية تابعة له”، بالإضافة إلى مراقبة العدد الكبير الذي يتدفق من السوريين، وكذلك ضبط تحركات السلفيين.
ووفقا للتحقيق، فإن حزب الله وضع خطة مستقبلية له يسعى من خلالها أن تكون تلك القرى موالية له، فعلى سبيل المثال، يأمل أن تكون قرية كفر شوبا موالية له بنسبة 80 بالمئة بعد خمسة عشر عاما.
عربي 21