عربي21- غازي الدالي
نشرت مجلة “فورميكي” الإيطالية تقريرا، حلّلت فيه مع البروفيسور كارلو بيلاندا، أستاذ الجغرافيا السياسية والإقتصادية في جامعة ماركوني الإيطالية، أبعاد وخفايا إعلان ترامب الانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة التي تضم 35 دولة على رأسها الولايات المتحدة وروسيا.
ويعتقد بيلاندا في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، أن الولايات المتحدة التي أصبحت تعتبر الصين عدوها الأول وليس روسيا كما كان في السابق، ستحاول التحرر من قيود اتفاقيات الحد من التسلح التي تم توقيعها أثناء الحرب الباردة لتتمتع بحرية أكبر في مواجهتها الشاملة مع بكين.
وجاء إعلان الولايات المتحدة عن قرار الانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة، بعد أن انسحبت واشنطن في العام الماضي من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي وقعها سنة 1987 الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف.
وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا مطولا تضمن تفاصيل الخروقات التي ارتكبتها روسيا في الفترة الماضية، وأوضح أن الانسحاب سيدخل حيز التنفيذ في غضون ستة أشهر.
ما هي إتفاقية السماوات المفتوحة؟
اتفاقية السماوات المفتوحة هي معاهدة تم إقرارها في عام 1992 في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في 2002، وهي تضم حاليا 35 دولة. تسمح الاتفاقية بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول الأعضاء.
وتحدد الاتفاقية أنواع أجهزة الاستشعار المستخدمة للمراقبة، كما تفرض مشاركة البيانات التي يتم جمعها، وتسليمها للبلد المضيف. وتعود جذور المشروع إلى سنة 1950، عندما ظهرت فكرة بناء الثقة بين موسكو والغرب لتجنب المواجهة.
طلب أمريكي
تؤكد المجلة أن الشرخ الكبير بين واشنطن وموسكو حدث في 2014 عندما أقدمت روسيا على غزو شبه جزيرة القرم.
منذ ذلك الحين، بدأ الصبر الأمريكي على الروس يصل إلى مداه وازدادت حدة التوتر مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وقد كشف موقع “ديفينس نيوز” في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن فحوى رسالة وجهها مسؤولون في البنتاغون إلى الحكومات الأوروبية، يطلبون فيها دعما أوروبيا لضمان احترام روسيا لاتفاقية السماوات المفتوحة ويحذرون من أن الولايات المتحدة قد تنسحب منها.
مخاوف واشنطن
أوضحت المجلة أن واشنطن كانت لديها الكثير من المخاوف والشكوك حيال استفادة روسيا من الاتفاقية، خاصة في ظل ما تمتلكه من أجهزة استشعار متطورة على متن طائرة توبوليف تو 154.
إذ تخشى الولايات المتحدة من التجسس على قواتها في بلد ما انطلاقا من بلد آخر، مثل أن تحلق الطائرة الروسية في سماء بولندا وتلتقط معلومات عن القوات الأمريكية الموجودة في ألمانيا.
كما استفادت روسيا من بند في الاتفاقية ينص على الحد من عمليات المراقبة التي تمارسها الدول الأعضاء، وقد فعّلت هذا البند مرارا للحد من طلبات المراقبة على منطقة كالينينغراد التي تمارس فيها موسكو أنشطة عسكرية تثير مخاوف الدول الغربية.
ماذا عن معاهدة ستارت الجديدة؟
وفقًا لما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” نقلا عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، سترسل واشنطن خطابا رسميا إلى موسكو بشأن الانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة.
وتؤكد الصحيفة أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام انهيار اتفاقية أخرى بين البلدين وهي معاهدة ستارت الجديدة.
وقد وُقعت هذه المعاهدة سنة 2010 بين الرئيسين باراك أوباما وديمتري ميدفيديف، وحلت محل ستارت الأولى والثانية، ووضعت سقفا لامتلاك الرؤوس النووية للدولتين عند 1550 رأسا.
دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 5 من شباط/فبراير 2011، وتمتد 10 سنوات، ويمكن تمديدها لمدة لا تزيد عن 5 سنوات إضافية.
وقد يتزامن الموعد المفترض لمفاوضات التمديد مع المرحلة الحاسمة من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما يزيد من درجة الغموض حيال خيارات إدارة ترامب.
التهديد الصيني
في أواخر شهر نيسان/إبريل، كشفت مجلة “فورين بوليسي” عن بعض المقتطفات من وثيقة أرسلتها وزارة الخارجية إلى الكونغرس في شهر شباط/فبراير الماضي.
وحسب الوثيقة، لم تتخذ الإدارة قرارا بشأن “ستارت الجديدة”، وهي تشعر بمخاوف مزدوجة، إذ تنظر بريبة إلى عدم احترام روسيا للعديد من الالتزامات الدولية، كما تراقب بقلق تنامي الترسانة النووية الصينية.
تضيف فورميكي أنه ليس سراً أن الرئيس دونالد ترامب يريد من روسيا مساعدته على إشراك بكين في معاهدة ستارت، كما أن انسحاب واشنطن العام الماضي من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى ليس سببه الانتهاكات الروسية فقط، بل أيضا المخاوف من أن تكون الصين المستفيد الأكبر باعتبار عدم توقيعها على المعاهدة.
ماذا لو استفادت الصين من هذا؟
منذ توقيعها قبل 32 سنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أسهمت معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في حظر استخدام هذا النوع من الأسلحة.
لكن في السنوات الأخيرة، تبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بارتكاب انتهاكات، وكانت هذه الاتهامات المتبادلة تخفي في طياتها قلقا متناميا تجاه الترسانة النووية الصينية.
وأوضحت المجلة أن الصين عملت بقوة على تعزيز قدراتها الصاروخية والنووية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تنامي ترسانتها النووية.
وقبل بضعة أسابيع، اقترح مجموعة من الخبراء في “غلوبال تايمز” (صحيفة الحزب الشيوعي الصيني) الرفع من الترسانة النووية إلى آلاف الرؤوس.
التقارب بين واشنطن وموسكو
يرى البروفيسور بيلاندا، أن الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى واتفاقية السماوات المفتوحة، وربما من معاهدة ستارت الجديدة، ستكون جزءًا من “خطة متفق عليها جيدًا مع الروس، بإنهاء معاهدات الحد من التسلح للتكيف مع متطلبات مواجهة الصين”.
ويؤكد بيلاندا أن روسيا لا تعارض الخطط الأمريكية لأن لديها مشاكل كبيرة مع بكين وتريد أن تثبت أن لديها قوة ردع.
وخلص بيلاندا إلى أن الانسحاب من معاهدات الحد من التسلح سيكون مصلحة مشتركة بين واشنطن وموسكو، إذ سيحررهما من الالتزامات السابقة، ومن ثم يمكن أن تبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات تكون فيها الصين طرفا ثالثا.