وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي في جنوب غرب سوريا، هو بالطبع أمر جيد لكثير من السوريين الذين يعانون ويلات الحرب منذ أكثر من 6 سنوات، ومن المؤلم الاعتراف في ظل الأوضاع الراهنة بأن وقف النار في سوريا من الممكن أن يكون معضلة بالنسبة لإسرائيل.
وقف إراقة الدماء في سوريا هو عمل نبيل، وهو شيء تريده إسرائيل وكل الدول المحترمة رؤيته. ولكن هذا الأمر لا يحل محل الاستراتيجية، حتى لو طوّرت الولايات المتحدة استراتيجيتها في سوريا، فمن الممكن أن تقوّض الهدنة أمن اسرائيل، إضافةً لزعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
تعتبر الولايات المتحدة و روسيا من المؤسسين الرئيسيين للهدنة في سوريا، وأيضا الأردن تعتبر جزء من الاتفاق. و بالطبع، من خلف المشهد يتم استشارة إسرائيل، ولكنها لم تكن جزءاً رسمياً ضمن هذا الاتفاق.
تكمن مخاوف الاتفاق على الأراضي في المنطقة الحدودية بين سوريا و مرتفعات الجولان المحتلة. مازال الثوار يسيطرون على هذه الحلقة الضيقة و يمنعون الميليشيات اﻹيرانية من السيطرة على المنطقة.
جمّد الاتفاق الحاصل هذه المسائل، تسيطر إسرائيل على مرتفعات الجولان، يسيطر الثوار على المنطقة الحدودية، تتمركز قوات النظام المدعومة من إيران و وكيلها ميليشيا حزب الله اللبناني، على بعد أميال قليلة باتجاه الشرق، بعيدة عن الحدود مع اسرائيل”، ستكون إسرائيل مسرورة اذا طُبّق هذا الاتفاق بشكل دائم.
لسوء الحظ، الاستراتيجيون اﻹسرائيليون أو المخططون العسكريون لا يعتقدون بأن هذا الاتفاق سيطول، إما ستندلع معارك جديدة أو سيتآكل هذا الاتفاق من دون مراقبة كافية.
تتابع إسرائيل لعبة “عض الأصابع ” الايرانية، حيث تدرك وجود عمليّاتي لإيران و حزب الله في المنطقة بين دمشق و مرتفعات الجولان.
ترى بأنها عملية تدريجية لتقوية إيران و وكلائها، في نهاية المطاف، ما يؤدي إلى جعلها المسؤولة عن مناطق استراتيجية في سوريا، من ضمنها الحدود الإسرائيلية.
ترى اسرائيل هذه الهدنة بأنها مكسب لرأس نظام بشار الأسد، لمقاتل العنيد و الخسيس الذي أثبت كل التنبؤات بأن خسارته الوشيكة سابقة لأوانها، إنها مكسب للرئيس الروسي ‘فلاديمير بوتين’ المتطفل، الذي أثبت كل التنبؤات بأن سوريا ستصبح قريبا “فيتنام “، إنها مكسب لإيران, التي تتقدم وسط انسحاب تدريجي لتنظيم الدولة، ما يجعل التعهدات لكبح النفوذ الايراني المتزايد، مثير للسخرية. إنها خسارة لإسرائيل.
إن هذه الاتفاقية الهشة لا يمكن أن تصمد إلا بمراقبة قوية. لكن لا يوجد مراقبين موثوقين من قِبِل اسرائيل. ولايمكنها الثقة برأس النظام بشار الأسد المعتمِد على إيران، لا تثق بميليشيا حزب الله عدو إسرائيل و وكيل إيران، وبالطبع لا تثق بإيران. كل هذه العوامل لها هدف التآكل التدريجي لمناطق الثوار في المنطقة الحدودية حتى تنهار.
و لكنها أيضاً لا تثق بالقوات الدولية لحراسة المنطقة، إنه تاريخ طويل مع مثل هذه القوات، ومن ضمنهم المتمركزين في مرتفعات الجولان، حيث تعلمت إسرائيل بأن القوات الدولية لا تملك القدرة على البقاء في حال ازدادت الأمور صعوبةً.
وإسرائيل لا تثق بروسيا من منع إيران من الوصول إلى الحدود. المصالح الروسية غير واضحة على الإطلاق، و تحالفها مع إيران يجعلها مشبوهة أكثر بالنسبة لإسرائيل، الرئيس ‘بوتين’ مكترث بعقلانية لمخاوف إسرائيل المتزايد تعمل قنوات التواصل بين البلدين بشكل ممتاز فوق ذلك، تجد اسرائيل صعوبة بأن الروس يستطيعون كبح تقدم إيران. تعاونهم يكمن في ضمان بقاء بشار الأسد في السلطة.
في الحقيقة، ليس فقط اسرائيل، صرح دبلوماسي أميركي سابق لصحيفة “فورين بوليسي”، عن مخاوفه و شكوكه حول قدرة روسيا على ضمان وقف النار.
لا يوجد مرشحون آخرون لإدارة وقف إطلاق النار، و إسرائيل بالطبع غير مرشحة. القادة الاسرائيليون مستمرون في الإعلان عن “خطوط حمراء” في سوريا.
حيث أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘ بينيامين نتانياهو ‘ مجلسه الاستشاري ” منع حزب الله من اكتساب قوة في سوريا في الحصول على أسلحة متطورة و دقيقة، منع حزب الله من تثبيت وجود قوة له عالأرض قرب حدودنا، و منع تثبيت الوجود العسكري الإيراني في كل مكان من سوريا”.
أصرت اسرائيل على ذلك، حيث قال وزير الدفاع اﻹسرائيلي
“أفيغدور ليبرمان” نحافظ بمسؤوليتنا الخاصة على أمن المواطنين الاسرائيليين، لذلك حريتنا مطلقة بالقيام بأي عمل، سوف نفعل أي شيء نراه ضرورياً “.
و لكن ” العمل بحرية ” بالطبع غير “مطلق”، أعمال اسرائيل سوف تعقّد الأمور أكثر، إن أي عمل لاسرائيل يسبب في انهيار الهدنة المضمونة من قبل دول عظمى، سوف تتعقد الأمور إذا قامت القوات الروسية بإدارة وقف إطلاق النار على الحدود مع اسرائيل. سوف تتعقد الأمور إذا فشلت الولايات المتحدة باقناع روسيا بكبح خطط إيران في السيطرة على كامل سوريا.
في هذه الحالة ستجد اسرائيل نفسها مغلقة في مكان عسير جداً، العمل و المخاطرة في صدام مدمّر مع السوريين و اﻹيرانيين و اللبنانيبن و الروس، أو المشاهدة بشكل محبط انجازات إيران، إضافةً إلى أهداف أخرى في وضع نفسها على عتبة اسرائيل.
المخططون الاسرائيليون يؤمنون بوجود حل وحيد و جيد لهذه المشكلة الاستراتيجية : تراجع الولايات المتحدة كونها قوة عظمى، أي لتشمل نفسها ليس فقط بإنهاء الحرب الحالية بشكل مؤقت، وليس فقط في الهدف المهم بهزيمة تنظيم الدولة.
يجب على الولايات المتحدة كونها قوة عظمى، أساسية لا غنى عنها، أن توظف جهودها لمنع احتمالية نشوب حرب أخطر، يجب أن يكون لديها استراتيجية في سوريا.
ترجمة المركز الصحفي السوري-ذا نيويورك تايمز