أخفق وزراء خارجية الدول الكبرى في اجتماعهم أمس الثلاثاء بالعاصمة النمساوية فيينا، في الاتفاق على موعد جديد لاستئناف محادثات السلام السورية، بينما هددت المعارضة بأنها لن تحضر مباحثات مزمع إجراؤها في جنيف في وقت لاحق ما لم تتحسن الظروف على الأرض.
وطغى شعور بالتشاؤم على الاجتماع الذي عقد في فيينا بين دول تدعم الرئيس السوري بشار الأسد وأخرى تدعم معارضيه، رغم التزام الجميع بإحياء اتفاق هدنة وعملية سلام تعثرت الشهر الماضي.
وفي بيان مشترك بعد الاجتماع الذي عقد بمشاركة الولايات المتحدة وقوى أوروبية وأخرى إقليمية من الشرق الأوسط -وكلها تعارض الأسد- بالإضافة إلى روسيا وإيران الداعمتين له؛ دعت القوى لوقف كامل للأعمال القتالية والسماح بوصول المساعدات.
وصرح وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف بأن المجموعة الدولية لدعم سوريا -التي تشترك موسكو وواشنطن في رئاستها- اتفقت على تعزيز وقف إطلاق النار الهش.
غير أن الخلافات بين واشنطن وموسكو حول كيفية التعامل مع الأزمة كانت واضحة، بينما أخفقت الأمم المتحدة في تحديد موعد جديد لاستئناف محادثات السلام.
وقال كيري إن المجموعة الدولية لدعم سوريا اتفقت على أن انتهاك أي من الأطراف لوقف إطلاق النار ستكون له “عواقب”، متعهدا بمواصلة الضغط على الأسد.
من جانبه، جدد لافروف التأكيد على موقف روسيا بأن الجيش السوري هو أفضل من يمكنه قتال تنظيم الدولة الإسلامية “الإرهابي”، مجددا دعم موسكو له.
وأقر كيري بأن موعد الأول من أغسطس/آب الذي حدده مجلس الأمن الدولي للاتفاق على إطار عمل سياسي في سوريا للعبور إلى المرحلة الانتقالية، هو مجرد “هدف” وليس مهلة نهائية.
“رعاة المحادثات الدوليين -وخاصة الولايات المتحدة المتحالفة مع المعارضة وروسيا الداعمة للنظام السوري- بدوا عاجزين أو غير راغبين في ممارسة الضغط المطلوب على الأطراف المتحاربة لوقف نزيف الدم في تلك الدولة”
مصالح متضاربة
ومع ذلك فإن المجموعة الدولية لدعم سوريا فشلت -كما هو واضح- في إحراز أي تقدم إزاء التحدي الأساسي الماثل في الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات.
وقال الوزير الأميركي إن “ثمة مصالح متضاربة ينبغي التوفيق بينها”. وكان كيري قد كشف مؤخرا -بما يشبه التهديد- عن خطة أميركية بديلة بخصوص سوريا في حال فشلت المفاوضات نهائيا.
ومع انهيار المباحثات، تكهن سفير الولايات المتحدة السابق لدى الرياض بأن يبقى بشار الأسد في السلطة طالما أخفقت واشنطن وحلفاؤها في مقارعته عسكريا.
ونقلت صحيفة واشنطن تايمز عن السفير روبرت فورد القول إنه “من دون ممارسة ضغط عسكري أكبر على الحكومة السورية، فإنها لن تتفاوض على تسوية سياسية وسط”.
وأضاف أن واشنطن تفتقر إلى “النفوذ على المعارضة المسلحة وحلفائها الإقليميين، بسبب أنهم يعتبروننا متناقضين في مواقفنا في أحسن الأحوال”.
وشدد السفير السابق على أن التدخل العسكري الروسي نيابة عن نظام الأسد أضعف الآمال في تسوية تنهي الحرب السورية.
غير أن الشاهد في الأمر أن رعاة المحادثات الدوليين -وخاصة الولايات المتحدة المتحالفة مع المعارضة وروسيا الداعمة للنظام السوري- بدوا عاجزين أو غير راغبين في ممارسة الضغط المطلوب على الأطراف المتحاربة لوقف نزيف الدم في تلك الدولة.
وراء ستار
غير أن صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية ذكرت أن آخرين -لم تسمهم- يرون أن تصريحات كيري ولافروف ألمحت إلى وجود تطورات دبلوماسية من وراء ستار، مشيرين إلى أنه للمرة الأولى لم يصرّ الوزير الأميركي على تنحي الأسد، كما أن نظيره الروسي أكد أن “موسكو لا تدعم الأسد”.
ويرى البعض أن تصريحات لافروف أمس -التي قال فيها إن روسيا لا تحمي شخصا بعينه بل “تدعم الحرب على الإرهاب”- ذريعة يلوح بها كلما انعقدت المباحثات. فالحرب في سوريا اندلعت قبل بروز منظمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بكثير، وهما الجماعتان اللتان تصفهما الدول العظمى بـ”الإرهاب”.
فهذه صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية -التي لا تخفي عداءها للتنظيمين- تقول إن “التمرد ضد الأسد هو من تعارضه موسكو، ذلك لأن الحكومة الروسية تقف ضد الاحتجاجات الديمقراطية المناوئة لهياكل الدولة”.
ولطالما أكدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه إذا لم يتنحى الأسد بحلول أغسطس/آب المقبل، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى تغيير نهج تعاملها مع الحرب السورية بشكل مثير ومفاجئ.
ومهما يكن من أمر، فإن تضارب المصالح بين اللاعبين الدوليين والإقليميين وتنافر أيديولوجيات الفرقاء السوريين هي التي أفشلت المحادثات، وتنذر بعرقلة أي جهود للتسوية في المستقبل ما لم تمارس واشنطن وموسكو نفوذهما على أطراف الصراع.
عبد العظيم محمد عبد الرحيم
المصدر : الجزيرة,الفرنسية,رويترز