شهدت مدينة إدلب منذ نحو 29يوما بداية حملة شرسة على كافة أحيائها السكنية ومرافقها الخدمية، إضافة لامتداد الحملة على معظم المناطق المحيطة بالمدينة والقرى والأرياف، كانت هذه الحملة ردة فعل على سقوط طائرة مروحية إم 28 في الأراضي الزراعية قرب مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي بتاريخ 1أغسطس/آب الجاري.
لم يكن لدى تلك الغارات من أهداف إلا إبراز حالة الغضب والجبروت الروسي، وربما كان من أهداف الغارات إظهار حالة من اهتمام الروسي بضباطهم الطيارين في التماسٍ لرد الاعتبار بعدما كانوا أعلنوا عن إدخال هذا النوع من الطائرات الأكثر تقدما في العالم على اعتبار أنها مصفحة ولا يمكن اختراق نظامها التشفيري وغير ذلك من تقدم تكنولوجي، إضافة لقدرتها على حمل مختلف أنواع الأسلحة، ويمكن أن تكون حاملة قوات من المهام الخاصة وغير ذلك كثير.
لم يمض أشهر حتى توالت حالات انهيار أسطورة هذه الطائرة وكان آخرها حادثة سراقب، سقطت الطائرة نتيجة عطل فني، فقتل داخلها 5 ضباط روس بينهم ضابطة، ثم أظهرت صور انتشرت على صفحات المواقع الإخبارية أن جثث الطيارين الروس بيد الثوار.
لم تتبن الفصائل العسكرية الموجودة في المنطقة إسقاط الطائرة، وتسريبات كثيرة أشارت إلى أن سقوط الطائرة كان بسبب عطل فني، لكن الجبروت الروسي أصرّ على أن الحادثة كانت عملية إسقاط بصاروخ موجّه، متهما فصائل إسلامية في هذا الأمر، رغم ذلك أصرت الفصائل كافة عدم تبنيها سقوط الطائرة مع إصرار بالاحتفاظ بجثث الطيارين الضباط والاستفادة منهم في عملية تبادل للأسري.
حاولت روسيا الضغط لأكثر من 23 يوما من القصف المركّز استهدف المباني السكنية والأسواق التجارية على اختلافها، كما استهدف المساجد ودور العبادة للمسلمين وغير المسلمين – فقد كانت حصيلة استهدافه كنيسة المدينة استشهاد 12 مدنيا وجرح وبتر أعضاء لعدد كبير من المواطنين، دونك عن عشرات السيارات والمحال التجارية التي احترقت- حتى أصبح سكان المدينة يدركون من الغارة الأولى أو الثانية ما مشروع القصف الروسي اليوم، هل هو المساجد ودور العبادة، الأسواق، المشافي والنقاط الطبية، المقرات العسكرية والأمنية للفصائل المسلحة.
لكن بعد 23 يوما لم تستطع روسيا إحراز أي تقدم، فقط أخرجت السكان المدنيين من المدينة، وأجبرتهم على النزوح.
لكن الطيارين الخمسة لم يتم تسليمهم.. ومع إصرار الفصائل العسكرية المعارضة على أن الجثث لن تعود إلا بعملية مفاوضات وتبادل أسرى حاول كل من النظام السوري وروسيا دب الفتنة بين الفصائل من خلال إعلانهما أنهما ستتفاوضان مع هذا الفصيل أو ذاك أو أن روسيا تتواصل مع جبهة فتح الشام – علما أن روسيا هي الوحيدة في العالم التي ما تزال تستخدم مصطلح جبهة النصرة بدلا من جبهة فتح الشام بعد أن أعلنت فك ارتباطها عن القاعدة، وقد سارعت بالتصريح والإعلان بأنها ستواصل استهدافها وأن الأمر لا يتعدى أكثر من تغيير الاسم- أخيرا انكسر الجبروت الروسي ودخل في مفاوضات مع لجنة المفاوضات المسؤولة عن جثث هؤلاء الطيارين الروس.
انكسر الجبروت الروسي وبعد الأخذ والرد.. رضخت روسيا للاستماع لمطالب اللجنة، وكانت اللجنة تعرف الثمن الحقيقي للضباط، فهم ليسوا جنودا سوريين لدى النظام السوري ولا هم مرتزقة وميليشيات طائفية مأجورة، بل هم ضباط روس يمكن أن يتحرك الشارع الروسي لأجلهم وترتفع وتيرة الرأي العام في روسيا خاصة أن بوتين يمهّد عبر عشرات القرارات التعسفية والمفاجئة من مثل تغيير قيادات عسكرية ومدنية وحزبية على أعلى المستويات لتتم هندسة الشهور السبعة القادمة لانتخابات المجلس النيابي والبرلماني ومن ثم لتدخل البلاد في انتخابات رئاسية يجد بوتين نفسه في مأزق كبير لتوالي الانهزامات والخسارة والمستنقع الذي أدخل روسيا فيه على الأراضي السورية.
تفاجأ الروس بشروط تبادل الأسرى إذ حددت لجنة المفاوضات أنها يمكن أن تسلم جثة واحدة مقابل 1000 معتقل سوري، أي 5 جثث سيتم إخلاء سبيل 5000 معتقل سوري بدلا منهم، طال وقت المفاوضات ودوامة المماطلة الروسية أمام تمسك لجنة المفاوضات بشروطها ولم تتنازل أو تخفض سقف مطالبها.
عندما أيقن الروس أن هيئة المفاوضات ملتزمة بوعود قطعتها للشعب والتزامات وطنية وأخلاقية تجاه المعتقلين، وتأكدوا أن العملية هي عملية تبادل أسرى بمستوى عالٍ من الدراية والحنكة التفاوضية نسف الروس المفاوضات وعادوا إلى قصف مدينة إدلب ومحيطها وكافة القرى والمدن في الريف الشمالي والهدف من وراء هذا واحد ليس غير.
إنه الضغط على لجنة المفاوضات من خلال تكثيف القصف العشوائي والممنهج والمكثف حتى إنه أقرب لسياسة الأرض المحروقة، هذا يمكن، في اعتقادهم، أن يشكل ضغطا على الشارع المدني الذي بدوره سيضغط على قرارات والتزامات لجنة التفاوض لتخفيض سقف مطالبها.
لكن لجنة التفاوض لم تدخل في نقاش عقيم أو جدل بيزنطي قدمت ما لديها وغير مستعدة لتخفيض سقف مطالبها.. لن تتخلى عن التزامها تجاه قضية المعتقلين، ولروسيا شأنها وليلاقِ الرئيس بوتين الشارع الروسي والرأي العام خلال الأشهر السبعة القادمة بالوجه الذي يحب.
المركز الصحفي السوري – علاء العبدالله